في حكاية شعبية أشبه بالخرافة يرويها سكان أوروبا الشمالية على لسان بعض الشعوب التي استوطنت هذه البلاد منذ قرون خلت مفادها [الشمس تشرق من شجرة تفاح مسحورة تباركها أفعى تسكن جذعها]. خرافة المعتقدات والطقوس السائدة عند تلك الشعوب ارتبطت بثمرة التفاح وأجهل السر في ذلك!!. فكانت عند الإغريق مثلاً فاكهة مقدسة وملحمية ترمز إلى الخلود والسلطة..
وهكذا في مواطن أخرى رافقت التفاحة الطقوس والمعتقدات حتى العبادات وظلت بصمة في ذاكرتهم يحيونها في مناسباتهم الدينية.
ثمرة التفاح ثمرة لذيذة.. فُطِر كثير من الناس على تناولها بين الحين والآخر لحلاوة الطعم، والمذاق الذي يبقى بين الأضراس، وفائدتها التي تشير [تفاحة في اليوم تغني عن زيارة الطبيب].
ولكن هل فكرنا يوماً وبعيداً عن كل ما يروى من أساطير وحكايا خرافية ومعتقدات باطلة.. أن نقف لحظة صمت وتأمل لتفاحةٍ بين أيدينا قبل أن نشرع في قضمها والتهامها والتلذذ بطعمها وكفى...! دون أن نسأل عن سر ومضة التفاحة في تاريخ الإنسانية؟ وأيُ دورٍ ذاك الذي لعبته في حياة البشر منذ بدءِ الخليقة على وجه الأرض وحتى يومنا هذا..؟ ربما الكثير منا لم يدرْ بخلده أن يطرح على نفسه مثل هذه الأسئلة.. فنحن فقط ننتظر مواسم النضج.. لكي نتفكه بها ونستمتع بحلاوة طعمها.. أو نستنزف عصارتها لنصنع منها رشاتِ عطرنا.. وربما نُعَتِقُ شموع مناسباتنا بعبقِ نكهةِ رائحتِها.. أو حتى نزين موائدنا بأطباق حلوى التفاح الشهية.
التفاحة القوية الإغراءات ذات الطعم اللذيذ والتي ارتبطت علاقتها بالإنسان منذ الأزل هي التي أغرت آدم عليه السلام وأخرجته وزوجه من جنة الخلد عندما أغواهما الشيطان فزين لهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله من الاقتراب منها [هَلْ أَدُلٌك عَلَى شَجَرةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى].. لم يكن في ذاك الوقت كذب ولا نفاق فنشأ الكذب عندما كذب إبليس على آدم عليه السلام وأصبح الكذب سهلاً على لسان بعض البشر.. ونشأت خصلة الصدق عندما صدقه.. ونشأ العصيان عندما عصى آدم أمر ربه وكأن ذلك اختبار لقوة التحمل والصبر لكن إغواء الشيطان كان أقوى.. وعرف البشر الغضب عندما غضِب الله على آدم وعرفوا الصفح والتسامح عندما تاب الله عليه وعفا عنه. هذه هي تفاحة آدم والتي كان بموجبها أول مخلوقٍ بشري على وجه الأرض.
وإذا كانت التفاحة التي أخرجت آدم من الجنة أثرت في حياة البشر... فهناك تفاحة أحدثت انقلاباً جذرياً واختصرت الزمن ودفعت البشرية قروناً إلى الأمام.. إنها تفاحة من قال:
{وجدتها} هكذا قال إسحاق نيوتن.. كلمة اُشتهر بها حين سقطت تفاحة من شجرة تفاح كان يستظل بظلها.. وبدأ يفكر في هذه الحالة التي مرت عليه.. ومرت على ملايين البشر دون أن يلتفتوا إليها.. وكان السؤال!! لماذا سقطت التفاحة إلى أسفل ولم يكن اتجاه السقوط إلى أعلى؟ ليأتي الإلهام الذي قاده إلى الحقيقة التي تمثلت في الجاذبية فصاغ قانون {الجاذبية الأرضية}... وكانت عبقريته نقطة تحول دفعت البشرية إلى الأمام. وإذا كان الإبداع تعريفاً أن ننظر إلى نفس الأشياء التي ينظر إليها غيرنا ولكن بعينٍ أخرى وطريقةٍ مختلفة فإن نيوتن سيد المبدعين في مجال العلوم الطبيعية.
تفاح النجاح له مذاق آخر.. تبقى حلاوته تداعب الأذهان، وتولد القناعات لتلقين الذات والفكر بأن لديها القدرة على تحقيق إنجازات في هذه الحياة.. وأن السقوط في سبيل الاكتشاف هو سقوط لاكتشاف سبل النجاح فيتحول النجاح إلى نجاح آخر في خطوات جريئة تصنع من محطات الفشل.. أو كبوات الفرسان انتصاراتٍ تغزو العالم بأسره.. والسبيل الوحيد للقيام بشيء عظيم هو أن تحب ما تفعله حتى لو فشلت في تحقيقه مرات ومرات.. في بعض الأحيان تضرب الحياة الرأس بحجر لكن الطموح لا يُفقِد الأمل مهما كانت قوة الضربة.. هذه الحقيقة تمثلت في صاحب التفاحة المقضومة.. ويبدو أنه قضمها لأنه فشل وفشل لكنه لم ييأس ثابر فكانت التفاحة المقضومة شعاراً لإنجازه... إنه {ستيف جوبز} الذي بهرنا بسر سحر تلك المفاتيح وهي تنقلنا بلمسة أنملة لأقصى الأرض. ستيف جوبز هذا العبقري الفذ.. الذي ملأ الدنيا وشغل الناس باختراعاته المعلوماتية التي ربطت البشرية مع بعضها البعض بطرف سبابة ثم قال: {المسوه} هو من آمن بأن النجاح حليف من يعمل ويغامر.. من لا يستسلم للفشل والسقوط.. وإذا سقط ينهض ويكمل.
بطل حكاية التفاحة المقضومة رحل تاركاً خلفه إرثاً غير ملامح عالم التقنية والمعلومات كتب فصولاً من قصص صناعة النجاح.. بغض النظر عن حياته الشخصية وديانته وجنسيته فما يهمنا هو الإنجاز الذي غير مجرى التاريخ وأصبح رمزاً لثورة الاتصالات الرقمية.. والتقنية المعلوماتية.. ورحيله سيترك بصمة في ذاكرة التاريخ البشري.. فهل يكون مثالاً يحتذى به لكل من ينطلق من رحم معاناة الصفر ليصل إلى تفاحة النجاح؟ وهل يقرأ شبابنا وأبناؤنا قصص نجاح العظماء ليكونوا عظماء في بستان من تفاح الإنجازات؟ ترى من نصيب من ستكون التفاحة الرابعة أيها الشباب السعودي الطموح.