أتمنــــى ألا يأتي اليوم الذي تتحول فيه مهنة تفسير الأحلام والتي أصبحت حاليا مهنة من لا مهنة له إلى سوق كبير يستوعب كل العاطلين والفاشلين والدجالين والنصابين والعيارين والباحثين عن الشهرة والساعين لاستقطاب أكبر شريحة من المعجبين حالهم في هذه الصرعة حال من امتهنوا الرقية الشرعية والنفث على المرضى وقراءة الكف وضرب الودع والشعوذة وقراءة الأبراج والتنبؤ بالحظ مستغلين تكاثر أعداد السذج والبسطاء الغارقين في ظلمات الجهل، ومن يصدقون دون وعي أو تفكير من يفتح لهم باب الأمل حتى ولو كان وهماً، وساعدت القنوات الفضائية هؤلاء لأنها هي الأخرى تبحث عن أكبر حشد من المتابعين، وأكبر عدد من المعلنين، وفتحت لمفسري الأحلام أبوابها ومنحتهم أكبر وقت من ساعات بثها فالمهم في النهاية المال أما ما يطرح ويقدم للمشاهد فأكثر شيء مطلوب فيه الإثارة وبيع الوهم ودغدغة مشاعر الآلاف من المتسمرين خلف الشاشات ولم يرمهم هذه الرمية السوداء التي لا تسر صديقا ولا عدواً إلا اليأس والإحباط والأحوال المائلة الناتجة من التفكك الاجتماعي في بعض الأسر وفشل العلاقات الزوجية وعدم الإنجاب، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع مستوى المعيشة والفقر، وسباق البحث عن الفرص الدراسية والوظائف في ظل ندرتها، وآمال الشباب والشابات بالزواج وامتلاك المسكن والمشروع التجاري والمال والأولاد والبنات، وتحقيق المكانة الاجتماعية والمنصب والجاه.
تابعت أكثر من حلقة من الحلقات التي تبثها قناة «m.b.c» ضمن برنامجها الصباحي صباح الخير يا عرب والموجهة لتفسير أحلام المشاهدين بهدف التعرف على ماهية هذا النوع من البرامج ذات الرواج الكبير في أوساط العامة فوجدت أن معظم الأحلام لا ترقى إلى مستوى الرؤى وإنما هي في غالبيتها أضغاث أحلام تحدث نتيجة استرجاع صور يشاهدها الإنسان في حياته أو طموحات يتمنى تحقيقها كحلم بنت تتمنى أن يرزقها الله بزوج أو شاب يتمنى النجاح في الدراسة والحصول على وظيفة أو موظف أنهكه العمل ويطمح في الظفر بمنصب وهكذا، ويتصل بالبرنامج ليقص حلمه على الشيخ ويريد منه التفسير اللي يوسع الصدر، وطبعا الشيخ المفسر فاهم اللعبة تماما وعارف بساطة تفكير المتصل لذلك يجتهد غالبا في تقديم التفسير الذي يتمناه ويطمح إليه ويقدمه بطريقة حلوة تجذب إليه المزيد من الزبائن، ولأن المفسر يدرك العواقب الوخيمة لو قدم تفسيرات غير مرضية للمتصلين أو لا تبعث الأمل في نفوسهم لذا يسعى جاهدا لتقديم التفسير المقبول والمغلف بالتشويق ويبتعد قدر الاستطاعة عن التفسيرات المحبطة والتي تؤدي إلى تناقص أعداد الجماهير، ويقدم تفسيراته في صيغ عمومية عائمة تصنع الكثير من الخيارات أمام المتصل مثل قول المفسر قد يحصل كذا وربما كذا ويحتمل أن يتحقق لك حدث سعيد في قادم الأيام لا أدري ربما ترزق بولد أو بنت أو وظيفة، ويختم المفسر هذا التفسير بعبارات تدغدغ العاطفة الدينية وتزيد من ثقة المشاهدين فيما يطرح، مثل عليك بالدعاء والاستغفار والصبر والاحتساب.
تتصل فتاة وتقص حلمها على المفسر وأنها رأت فيما يرى النائم أنها تلبس حذاء فضيا فيبادرها بسؤاله المألوف، هل أنتي متزوجة؟ فإن قالت لا رد عليها بقوله أبشرك أنك سترزقين بزوج وإن قالت نعم بشرها بحياة زوجية سعيدة، وكأنه ضحك على العقول واستغفال حول مجتمعنا من مجتمع عامل منتج إلى مجتمع يلهث خلف الأحلام.
abdulalshlash@hotmail.comتويتر abdulrahman_15