يثير الدهشة، هذا التوافق الغريب بين الضد وضده الآخر، أعني هنا التوافق ما بين أنصار القاعدة ومموليها ومؤيديها وبين أنصار ولاية الفقيه وأتباع عمائم بلاد فارس! هذا ما قرأته وسط تشكيلة من الأسماء التي قامت بالتوقيع على ما يسمى ببيان محاكمة الإصلاحيين بجدة، وأحداث القطيف المؤلمة. وبرأيي أن هذا التزاوج الذي تم ما بين قطبين متناقضين، أتى في محاولة ضم قلة غير مؤثرة وتميل لأهداف شخصية. يتضمن البيان شعارات تتبنى عبارات إنسانية جميلة لا يختلف عليها أحد، مثل: صون الكرامة الإنسانية، وحقوق المواطنة، وغيرها. وهذه الأمور يتبناها الجميع ويرفض عكسها الجميع. ويأتي بعد هذه الديباجة ما يناقضها ويناقض المعاهدات الدولية لمكافحة الإرهاب المعتمدة من الأمم المتحدة منذ عام 1937م، ثم أدخل المجتمع الدولي عليها تغييرات جوهرية في صكوكها عام 2005م. ووقوفاً على حدث ليس ببعيد في سبتمبر الماضي تم التوقيع على اتفاقية تأسيس مركز لمكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، بعد دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتأسيس مركز عالمي يكافح هذه الجريمة التي لا دين لها ولا مذهب ولا طائفة ولا جنسية.
العجيب في الأمر، وفي الدولة التي خرجت منها فكرة عالمية لمكافحة الإرهاب يخرج منها أشخاصاً يرفعون كلمة «الإصلاح» وهي كلمة حق يراد بها باطل، وأسماؤهم ممهورة بألقاب فضفاضة تدعي النشاط الإصلاحي والحقوقي، ولا أعتقد أن الإصلاح يتم بالدفاع عن أصحاب جرائم تدينها كافة الأديان والملل وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية، وكل شخص يرفض الترويع والتخريب الذي صار يحدث تحت مسمى «الإصلاح».. يا سبحان الله! إن كان هؤلاء يحاولون التشكيك في سير المحاكمة فأنا أحيلهم إلى قوانين ونصوص دولية تدين هذه الجريمة، فمن غير المعقول أن يأتي من يقدم نفسه مصلحا وحقوقيا ويرفض اتفاقيات وصكوكا دولية، والجماعة التي تمت محاكمتها في جدة قبل أسبوعين ينطبق عليها ما ورد ضمن الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، وكذلك الاتفاقيات واللجان الخمس التي تُجرم غسيل الأموال والتي ثبت تورط المتهمين بهذه الجريمة.. وماذا بعد هذا خراب؟ وماذا بعد هذه الجريمة من جريمة؟
أما الشق الآخر من بيان الناشطين.. الحقوقيين.. الإصلاحيين، الذين لا يريدون معاقبة وتجريم الإرهاب وغسيل الأموال، فهو يدخل في السياق ذاته باختلاف التوجه، فهو يتحدث عن المتورطين في الأحداث الإرهابية التي حدثت في العوامية والتي نتج عنها خسائر في الأرواح والممتلكات وترويع للآمنين فإن السادة الناشطين يعتبرونها سلمية ويرونها مجرد مظاهرات سلمية، ويرفضون نقاط التفتيش الأمنية لأنها تزعج مشاعر الإرهابيين وتكدر صفو قنابل المولوتوف والأسلحة، وكأنهم لا يعلمون أن نقاط التفتيش موجودة في كل المدن السعودية، ولا أدري لماذا نحن سكان الرياض مثلا لا يزعجنا وجود نقاط التفتيش، بل إن هذا أمر يسعدنا ويشعرنا بالأمان!
عجيبة قولبة المسميات، والأكثر عجباً التبرير لجرائم أوجعت دولاً كثيرة، وآلمت الجميع، وتحرك لإيقافها المجتمع الدولي برمته، ولا يمكن تحت أي مسمى تبرير الإرهاب أو محاولة إلصاقه بتهمة الطائفية الجاهزة التي لا وجود لها إلا في نفس من يحاول زعزعة أمن هذا الوطن. وبما أن السادة الكرام من ناشطين وحقوقيين وإصلاحيين اعتبروا أن التعامل الأمني مع أحداث القطيف طائفية، فما هي رؤيتهم لمحاكمة مرتكبي الجرائم الإرهابية في جدة؟ بصراحة بحثت في البيان ولم أجد إلا قولهم إن هذه الجماعة لا يستحقون التعامل معهم بهذه الأحكام، وهذه العبارة لا يمكن أن يقولها أي منهم إن أراد الترافع عن متهم، لأن ساحة العدل تقوم على وقائع وأدلة لا على مشاعر عاطفية..!
www.salmogren.net