كان شقيقي محمد ولوعا بالقراءة في الأدب والتاريخ ولطالما أغرتني مكتبته وأنا الصغيرة لأتطاول على بعضها وأحملها وهنا على وهن في حقيبتي، أعرضها بزهو أمام معلماتي فيصرخن دهشة أو تقرأين هذا؟
حين استقام لساني وتفصح مبكراً طلب مني أخي المثقف أن أستلم مكانه في ساعة القراءة المخصصة لجدي الذي كنا نسعد بوجوده بيننا فنتنافس صغاراً على خدمته وعلى تسليته بالقراءة, فكان أول كتاب يصدح به صوتي ويمثل اعترافا بحسن قراءتي هو كتاب الأساطير الشعبية الذي أحضره شقيقي خصيصاً لأبدأ مشواري معه، كنت أتلكأ كثيرا في قراءة بعض المفردات الشعبية وبين ضحكات جدي استقامت الأمور، ولحداثة سني حينها كنت أقرأ بعض الحكايات الشعبية التي تقطر حباً وعشقاً وبعضها كان يصور مشاهد غاية في الحميمية وكنت أقرأ كل شيء وأي شيء لا توقفني إلا ضحكات جدي وهو يقول عطينا غيرها!
اكتسبت شهرة في العائلة بقدرتي على القراءة الجيدة ونمت علاقتي بالكتاب من موروث الجهيمان الجميل.
قبل نحو أربعة أعوام التقيت بابنته الدكتورة ليلى الجهيمان طلبت منها أن أزور الأديب الفاضل عبدالكريم الجهيمان وأجري معه حواراً يشبه تسجيل الذكريات ولم أفكر قط أن أقوم بمثل هذا مع أحد غيره ومع أن ابنته العزيزة نقلت لي اعتذاره وأن ظروفه الصحية لا تسمح لكنني أحسست بسعادة أن التقيت بابنته وأنني طلبت هذا حتى لو لم يستجب، فلقد أفاض على قلبي شجنا جميلا عن زمن جميل تراءت لي فيه ضحكات جدي وطفولتنا وبساطتنا وشغفنا بالقراءة وتقديرنا لكبارنا.
تعيدني وفاة الجهيمان للكتابة بعد غياب، ويعيدني الشجن للزمن الذي كانت أحلامنا فيه تتسع وتضيق فيها الأمكنة، تسافر بنا الأيام تارات نحو الفرح وتارات أخر نحو الألم، نتحول فيها إلى حكاية تشبه حكايات الجهيمان رحمه الله رحمة واسعة.
f.f.alotaibi@hotmail.com