أسوأ ما يمكن للمرء أن يراه أو يتابعه أو يستمع إليه، هو شخص يتحدث ويصف ويشخص حالة ما بطريقة معيبة لا تمت بصلة، لا لخلفية علمية يتمتع بها ولا لخبرة عملية جمعها وعاشها، ولا حتى لرأي استمع إليه وبنى بموجبه، ولا لفكر اعتنقه وألفه وشرحه، ولا لتجربة مرّ بها وحلّلها ولا لموقف قيل له عنه ونقله، بل جُل ما يهذي به معتقداً بصوابه وضرورة سماعه، لا يمكن أن يكون سوى تنظير ممل، وحديث مخل تتطاير من أطراف جمله الكثير من الكلمات، وتنكسر عند ما تبقى من الكلمات لغة الحوار وتكثر التمتمات ويطول الصمت في استحضار المفردات، فتخرج الجمل غير مفهومة، ويبعد المعنى المطلوب عن المقصود، فيكسب المتحدث حينئذ ازدراء المستمع بل واشمئزاز المتابع وملل المشاهد، ويتردد على لسان الجميع أنّ الأمر قد تم إسناده لمن هو ليس له أهلاً، وأن الحديث مُنح لمن هو ليس له قادراً، وأن الفرصة أتت لمن ليس هو لها مستطيعاً.
إنّ هذه الصورة المتكررة والمعبرة باستمرار قد فرضت جواً من الحوار غير الحضاري الممزوج ببعض التخلف الذاتي للمحاور على عدد من الأصعدة، منها ما يتعلق باللغة أو التخصص أو الإلمام أو التجربة أو حتى المعرفة أو الخبرة، أو حتى المحصول اللغوي الذي ثبت علمياً مصاحبته لدرجة الذكاء، أو توظيف اللفظة في موقعها أو القدرة على طرح الأمثلة المناسبة في وقتها ومحلها، أو اللياقة في الحديث أو أبسط أبجديات التحاور، جميع ما سبق فرض درجة بلوغ مستوى طرح الموضوع المثالي في وقته فقط لتخدير تخمين الواقع بالأماني، إذ فور اصطدام المستمع باسم الملقي يتهيأ لسماع ما يتوقع منه أن يشفي غليله من العلم والمعرفة بالشيء إلا أنه يبصر اصطداماً دامياً عبر مسرد الخطاب الذي تلهف لسماعه، فيردد بلسانه وبصوت مسموع أو ينكفئ، ولسان حاله يتساءل من كان خلف هذا الإجحاف بحقنا نحن شريحة المستمعين والعوام والمتعطشين لسماع الرأي الصواب تبريراً أو اعترافاً. وهو تعليق لطالما ظل يُردد على لسان المشاهد أو المتابع، ذلك أن من تأمل المسألة بروية أدرك قصر نظر من قام بالاستضافة والاختيار أو حتى قصر نظر وعدم توجس مآلات اللقاء من قبل صاحب الرأي المنتظر، جهبذ الفصل في الموضوع وبطل الرأي في المسألة.
هو أشبه برسم كاريكاتوري بمشهد تأثيري يجسِّد فكرة غير حقيقية وليست واقعية عن الافتقار، إلى معادلة إسناد الأمر لمن هو له أهل، وذلك من خلال الإخلال بحق الملقي والمتلقي على حد سواء، حين أسندت تلك المهام التي أقل ما يقال عنها إنها تندرج في بوتقة خطأ في تنصيب غير الصواب في المكان غير القويم. إضافة للرغبة الخانقة لدى أصحاب القرار في الوسائل المخاطبة لأذهان العامة، بشغل المساحات الفارغة بكل من هب ودب على حساب الجميع، شاملةً حتى المحاور الذي لا يقل سوءاً عن ضيفه ولا يزيد ذكاءً عنه، فالمهم هو إشغال تلك المساحة والانشغال لاحقاً بالسؤال عن المظهر والظهور وعن الاجتهاد والفتور، اجتهاد المحاور وفتور الضيف وعن الألوان والديكور، ثم تلقي الاتصالات من الأهل والأحبة عبر المحمول، بعد تحقيق مراحل الوداع واستقبال عبارات الشكر والثناء غير المستحقة، حيث يظل المتلقي آخر اهتمام الفريق إن لم يكن خارجه أو ضمن ثوابته، ويبقى الموضوع دون حلول والمسألة بلا تحليل وإرضاء النهم المعرفي خارج القاموس. إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com