تحقيق - عبدالهادي بن مجنِّي
كان القرن الرابع عشر الهجري حافلاً برجالات كان لهم الشرف بخدمة بلدانهم تحت مظلة الملك المؤسس، ومن أولئك الأعلام الشيخ علي بن مخلف بن هديب الفريدي الحربي، حيث عاش في الفترة التي سبقت فتح الرياض على الملك المؤسس في منطقة القصيم، حيث كان من أوائل الذين بايعوه وأبناء عمومته وسرّوا بنصره -رحمه الله- وكان له مؤازراً وعوناً في أيام السلم وأيام الحرب خصوصاً أثناء غزواته لإتمام توحيد هذه البلاد وعند البحث لكتابة هذا المقال سألت معاصري الشيخ عن بداية هجرة آل هديب إلى بلدة القواره التي تقع شمال غربي منطقة القصيم فحدثوني ومما ذكروه عنها أنها تأسست في زمن ابن عمه جهز بن حثول بن هديب في عام 1338هـ تقريباً، ذلك أنه عندما عمد الملك عبدالعزيز إلى توطين البادية كانت القواره من أوائل البلدات التي نالها وأهلها حظ التوسع في التوطين وعين جهز ابن هديب أميرا لها ثم خلفه ابن عمه علي ابن هديب بعد مرضه الذي توفي فيه.
وأود هنا أن اضيف أن القلائل من شيوخ وأمراء نجد من كانت لهم رايات سعودية وبيارق وأعلام ومن أولئك.. الشيخ علي بن هديب، كان له بيرق عرف ببيرق ابن هديب ولا يزال ذلك البيرق يحتفظ به أحفاده كتذكار ووفاء لمسيرة والدهم مع الملك المؤسس، سلمه له الإمام عبدالعزيز وأوصاه بحفظه كرمز تذكار لتلك الحقبة التي جمعت بينهما، وقد أطلعني أحد أحفاد الشيخ على مجموعة من الوثائق والمراسلات لوالدهم.
وحضر علي بن هديب أكثر غزوات الملك عبدالعزيز ومن تلك الفتوحات والغزوات التي شارك فيها فتح حائل وفتح مدينة الطائف وضم مكة ومعركة السبلة وكان حاضراً أثناء فتح نجران حتى انضمت جميعها تحت لواء عبدالعزيز بن عبدالرحمن (الملك).
وليس بين أيدينا مستند عن عام ولادة ابن هديب، ولكن وفق ما ذكر كبار السن عبر التاريخ الشفوي والرصد للأحداث أن ولادته قد تكون محصورة بين عامي 1295 و1300هـ تقريباً.
وقد أخذ علي ابن هديب عن أسلافه صوراً متعددة الجوانب عن الخلفية السياسية والاجتماعية لتلك الفترات العصيبة التي مرت بها الجزيرة قبل ظهور الملك عبدالعزيز، فعرف عنه رحمه الله نجدة الملهوف وكرمه وحسن الضيافة وحسن الجوار مع قبائل الجوار، ودوره كان بارزاً في إصلاح ذات البين وحل بعض ما أشكل بين أفراد قبيلته أو القبائل الأخرى. ذكر لنا معاصروه أنه كثيراً ما كان يستدعى من القبائل المجاورة للتوسط في شئون العامة وحلها. حيث كان ذا اتصال مع بعض شيوخ القبائل في المناطق المجاورة لمنطقته وما عرفوه عنه أكسبه احترامهم من رجاحة العقل والتواضع إضافة إلى ما كان يتمتع به من حسن التصرف والحكمة مما جعل له المحبة في قلوب الناس ففقدوه وتأثروا عند رحيله رحمه الله.
وإذا تتبعنا بعض الروايات عن سيرة الشيخ علي بن هديب منذ نعومة أظفاره تجدك أمام فتى مميزاً تنبأ له أهل الفراسة في صغره بأنه سيصبح له شأن يوماً ما. ولم ينل التاريخ في الفترة التي عاش فيها ابن هديب اهتماماً كي نقف على جانب واسع من حياته، وإنما كان الاعتماد على الروايات الشفوية يرويها الأجداد للأبناء والأحفاد، ولم يجد التدوين حظاً وافراً كما هو اليوم، وقد انتهى ذلك التاريخ بوفاة أولئك الرواة، وما وصلنا منه إلا النزر اليسير. ولعل الأحداث التي وصلتنا عن ابن هديب من خلال التاريخ الشفوي وما عايشه بنفسه من أحداث تلت تلك الأيام التي انعدم فيها الأمن والاستقرار جعلت منه ومن غيره من أبناء قبيلة حرب يتطلعون إلى أن تنجلي الغُمة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله رحمة واسعة-لذلك وجدنا أن أهل القواره آنذاك كانوا يتتبعون بشغف أخبار انتصارات الملك المؤسس لاسيما أن أميرهم أحد القادة في تلك الغزوات.
وأثناء البحث عن سيرة ابن هديب عثرنا على القليل من الوثائق وهي بعض الرسائل النادرة والنفيسة والتي كان قد بعث بها إليه الإمام الراحل كعادته مع شيوخ القبائل يطلعه فيها على المستجدات ويخبره عن أحداث جرت مؤخراً ومن تلك الرسائل خطاب موجه إلى الشيخ علي ابن هديب بخصوص أحداث تلك الفترة التي شهدتها المنطقة والتي كان ابن هديب معنياً بها مؤرخه في يوم 27 رمضان من سنة 1352هـ وقد أطلعه الملك عبدالعزيز في رسالته على مجريات الأمور والأحداث المهمة. أما أقدم ما وقع بين أيدينا من وثائق تخص هذا العلم فكانت في عام 1344هـ بخاتم عبدالعزيز يخبره ومن معه بتعيين الأمير عبدالله بن فيصل بن فرحان أميراً على القصيم آنذاك، وفي سنة 1357هـ جاء البريد برسالة للشيخ علي هديب وأهل القوارة من الإمام عبدالعزيز يعلمهم فيها عن بعض القرارات والتعاميم الجديدة كي يكونوا على دراية بها والعمل بما نصت عليه. أما تاريخ وفاته فقد ذكر لي حفيده أنه توفي في سنة 1385هـ، وقد خلف ثلاثة من الأبناء هم عبدالله بن علي بن هديب وعبيد ونايف.
bnmgni@hotmail.com