لقد كانت النظريات الاقتصادية التقليدية تعتبر الكائن البشري بـ(تور الله في برسيمه) كما يقول إخواننا في مصر، وكانت تتجاهل العبارة المشهورة (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان)، بيد أن الفكر الاقتصادي في هذا الشأن قد تغير، وأصبح من الواضح أن العنصر البشري يحتل المكانة الأولى بين عناصر التنمية الاقتصادية الاجتماعية. والنظريات الحديثة للنمو والتنمية تولي أهمية كبرى للبحث والتطوير وتراكم المعرفة. كما أن النظريات الحديثة للتجارة الدولية تؤكد أهمية المهارات البشرية باعتبار أنها تمنح مزايا نسبية مكتسبة.
فالكائنات البشرية تمثل اللاعبين الأساسيين، فإذا لم يتم إصلاح هذه الكائنات، فلا يمكن لشيء أن يؤدي عمله، سواء كان ذلك هو اليد الخفية أو اليد المرئية، ولقد كان لتقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بقيادة محبوب الحق وزملائه الخبراء، أثر بارز في التنبيه إلى أهمية التنمية البشرية منذ ظهور التقرير الأول للتنمية البشرية عام 1990. إذ تعرف هذه التقارير التنمية البشرية بأنها عملية تهدف إلى زيادة الخيارات المتاحة أمام الناس. وتركز تلك الخيارات الأساسية في أن يحيا الناس حياة طويلة وخالية من العلل وأن يكتسبوا المعرفة وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة.
ومن ثم، فإن للتنمية البشرية جانبين رئيسين، هما: الأول: تشكيل القدرات البشرية مثل تحسين الصحة والمعرفة والمهارات. والثاني: انتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة في المجالات الشخصية. وغير خاف أن مفهوم التنمية البشرية يختلف عن مفهوم تنمية رأس المال البشري أو تنمية الموارد البشرية، إذ إن الأخير يتعامل مع الكائنات البشرية باعتبارهم وسيلة وليس غاية في الأساس. بينما التنمية البشرية توجه إنساني للتنمية الشاملة. لذا، يمكن القول بأن الفرق الجوهري بين الدول المتقدمة اقتصادياً والدول النامية هو ارتفاع التنمية البشرية في الأولى بالمقارنة بالثانية.
من هنا نرى أنه آن الأوان الآن لأن نهتم بتنمية البشر في بلادنا؟؟
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية