ليس سهلاً على الابن أن يرثي، بكلمات محدودة، أباه. لكن ما يخفف ألم القلب أن مثل هذا الرجل الأشم كان يعرف، منذ سنوات طويلة، أنه قدم كل ما لديه، وأنه يستعد للرحيل. هذا ما كان يقوله عبدالكريم الجهيمان رحمه الله عن نفسه. وعندما جلست إليه، في غرفته الصغيرة، التي تتجمع فيها أدويته، على (كمودينة) صغيرة، لا تشعرك بأنه حائز على أعلى جائزة أدبية، قال لي بصوت يصعب تمييزه:
البركة فيكم!
أبو سهيل عملة نادرة. هو ليس مبدعاً ولا كاتباً ولا مفكراً ولا إعلامياً ولا مؤرخاً. أنت لا تستطيع أن تضع له تصنيفاً محدداً. اجلس معه، ومن ثم صنفه التصنيف الذي يروق لك. وكن مستعداً، فربما تكتشف أنك أمام عالم دين من الطراز الذي لم ترَه في حياتك.
هو كل هذه الصفات، إضافة إلى صفة هي الأهم؛ المعلم! وهي صفة يكرهها ونحبها، نحن أبناءه، الذين علمنا أن الصحافة هي الصوت الذي لا يعلو عليه صوت، وأن الأطفال هم الذين يشقون الطريق بسهولة للمستقبل.
وضع أبو سهيل رأسه على الطين الذي تعطر به طيلة حياته. وقبل أن يمضي في الطين، كان يرانا حوله، ندهن صفحات جرائدنا وقصصنا ورواياتنا بدهن العود المخضب بشماغه الرث وبشته الشتوي وبياض روحه التي فقدت قبل أن تموت كل سمعها!