Sunday 04/12/2011/2011 Issue 14311

 14311 الأحد 09 محرم 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

استوقفتني أبيات للأستاذ عباس محمود العقّاد ضمّها كتابه بعنوان (مع عاهل الجزيرة العربية) ألقاها بين يدي الملك عبدالعزيز في اليخت الملكي (المحروسة) يوم ذكرى جلوسه -رحمه الله- في الخامس من شهر صفر عام 1365هـ الموافق 9 يناير عام 1946م في أثناء زيارة العقّاد للمملكة تقول أبيات منها:

أسد العرين يخوض غيل الماءِ

حيّاه باديها وحاضرها معاً

يومٌ من البشرى يردّدُ ذكره

عشْ يا طويل العمر - عيش معمَّرٍ

ما خصّ طالعك الرياض بيمنه

حق المواطن حينُ يذكر عهده

لا غرْو نذكره، ونهتف باسمه

يا بحرُ راضك قاهر الصّحراءِ

فاغنمْ تحيّة يومه الوضّاءِ

ركب السفين، وجيرة البيداءِ

تحيا به أممٌ من الأحياءِ

بل فاض من عمم على الأرجاءِ

في الحمد والتبريك حقّ سواءِ

في هذه الآفاق والأجواء

نعم.. وها نحن نهتف بكل حبّ، ويهتف أستاذنا عبدالعزيز التويجري في كتابه الوطني (لسراة الليل هتف الصّباح) الذي نقرؤه يستشهد بكاتب العربية المبدع في رحلته إلى المملكة، وبقصيدته التي هتفت للرائد المؤسس عبدالعزيز تعبيراً عن حضوره العربي الأثير في ذاكرة الأمة الإسلامية والعربية ضمن أقلام مبدعة عبّرت عن ذلك الحضور الذي لا زال متألّقاً في الذاكرة يتجلّى مع كل ذكرى، أو موقف، أو مشهد، أوحدث له علاقة أو صلة بالوطن، أو المواطن، من أولئك الأعلام: أحمد حسن الزيّات وأمين الرّيحاني، ومحمود الزبيري وخليل مطران، وسيّد قطب، وأمين الريحاني، ضمّ (الفصل الثالث عشر) نماذج من أقوالهم عن الملك عبدالعزيز -غفر الله له- ولعلّ أجمل وأروع أنموذج يستوقف القارئ في هذا الفصل الثالث عشر أحد بيانات الملك عبدالعزيز التي تعبّر عن المصداقية والعدالة إذ تقول: (من عبدالعزيز بن سعود إلى شعب الجزيرة العربية: على كلّ فردٍ من رعيّتنا يحسُّ أن ظلْماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كلّ من يتقدّم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق، أو البريد المجّاني على نفقتنا، وعلى كلّ موظف بالبريد أو البرق أن يتقبّل الشكاوى من رعيتنا، ولو كانت موجهة ضدّ أولادي وأحفادي، وأهل بيتي، وليعلم كل موظف يحاول أن يُثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه مهما كانت قيمتها أو حاول التأثير عليه ليخفّف لهجتها أننا سنوقع عليه العقاب الشديد، لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يُحِّملني الله وزر ظلْم أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حقٍّ مهضوم، ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهدْ!!).

هنا لابدّ أن يطول الوقوف والتأمّل نحو هذه المصداقية والعدالة والحزم، التي تحرّضنا على المطالبة بتوثيقها في أنسجة الذاكرة والوجدان، ووضعها لوحةً تعبيريةً في واجهة مكتب كلّ مسئول ليظلَّ بحقٍّ مسؤولاً يؤدي واجبه بأمانة وحزم وانضباط متدثّراً بتقوى الله وطاعة وليّ الأمر والإخلاص للعمل وإتقانه، والتفاني فيه لتفادي الظلم والخلل، وتحرّي الحكمة والصّواب والعدالة، حينئذٍ تتبخّر كلّ مبررات الشكوى والتذمّر، وتتضاءلُ الضغوط والمعاناة والمعوّقات من كلّ الدروب والمسارب والمواقع والشئون العامة والخاصة، وتنهمر مياه الحياة في جداولها الطبيعية. هذه وقفة تأمّل تهتف من الأعماق لعبدالعزيز، وتبتهل له بالدّعاء، وتبتهجُ بحضوره المشرق الأثير في كل ذكرى وموقف من كلّ إنسان يشعر بانعكاس تلك التجلّيات على حياته، حياتنا ونحن نعيش في ظلال الأمن والسّلام والطمأنينة التي غرس شتلاتها عبد العزيز -غفر الله له- وسقى ثمارها أبناؤه بعده، ولا زلنا نتفيّأ ظلالها، ونطمح إلى الأنموذج الأسمى المتدثّر بالعدالة والارتقاء الذي يوثق عرى المصداقية والانتماء للدين والوطن.

ولابُدّ لنا ونحن نقرأ سيرة العظماء متمثّلةً في شخصية الملك عبدالعزيز أن نقف متأمّلين معبرين عن تقديرنا واحترامنا لهذا النموذج الفريد المكتنز بالبركة والهيبة والطموح والمصداقية والثقة، والحكمة والرؤية النافذة، والعبقرية المؤمنة الفذّة والعزيمة والحزم، وقبل ذلك كلّه النيّة الصّادقة، والنبل، والمصداقية، والثقة بالله الذي لا يمكن أن يخذل عبده المتوكل عليه أبداً أبداً، وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

وكفى بهذه البلاغة الحكيمة أن تختصر علينا أقوالاً وشهادات وكتباً، وسطوراً تنبثق من هذه التجلّيات المشرقة التي نسير -معاً- تحت أشعّتها في ركب الوفاء، والتعبير عن مشاعر الحبّ والتقدير والاحترام لرجال لهم في أعماق النفس، وفي أوجه الحياة حضور أثير.

وحين يتناول القارئ كتاباً يحمل ذكرى وشواهد تعبيرية ودراسة وثائقية عن إنسانٍ عزيز له في نفوس الشعب العربي، والشعوب الإسلامية منزلة ومكانة وتأثير لابدّ أن يتوقف النظر، ويعبّر القلم عن رأيه ومشاعره، وشجونه وهو يتخلّل فصول هذا الكتاب الذي بين يدي (لسراة الليل هتف الصّباح) كيف ارتحل مؤلفه الشيخ عبدالعزيز التويجري، وكيف سار وصاغ نسيج هذه الملحمة الوفائية الثقافية الوثائقية التاريخية التي يصعب عليّ في هذه الوقفة العابرة أن ألمّ شتاتها وأتمكن من بسط القول فيها فأكتفي بلمحةٍ تأملية تطرّقت في مقالتي إلى وقفاتٍ منها مؤكّداً أن كلّ فصلٍ من فصول هذا الكتاب يقتضي التأمّل والتوقّف اللذين يستقطبان شهوة التعبير في سلسلة تتجاوز تسعة أضعاف مقالتي هذه التي جاءت بمناسبة التعبير عن الذكرى الوطنية واقتناص شموع يسيرة من إشراقات الذاكرة، ودفق من رحيق الوجدان، لكنني لا أستطيع أن أختتم مقالتي دون الإشارة إلى نخبة من عناوين الفصول المهمة التي ضمتها صفحات هذا الكتاب البالغة (862 صفحة) وهذه الفصول هي:

-1 الملك عبدالعزيز والشريف حسين.

-2 من هم الإخوان؟

-3 الملك عبدالعزيز والإنجليز.

-4 الملك عبدالعزيز وفلسطين العرب.

-5 حقائق عن الأمن في شبه الجزيرة العربية «ما قبل الحكم السعودي، وفي أيّامه».

-6 عبدالعزيز مع العفو والتّسامح.

-7 نماذج من أيّام العسر.

التعليق:

يتبيّن من العناوين أن كلّ عنوان بحث متكامل يصلح أن يكون كتاباً مستقلاً بذاته، إذ عرفنا أن كلّ فصل من هذه الفصول تتضمن وثائق وحقائق وتعليقات وهوامش موثقة بالمراجع تتناول قضايا ونظماً وقرارات تاريخية وسياسيّة، وإنسانية، ودولية.

وعلى غير عادتي في قراءة الكتاب فقد كان آخر ما قرأت مقدمته التي صاغ نسيجها المؤرّخ الأستاذ محمد حسنين هيكل بعنوان (كاتب وكتاب وقضية) لكي لا تشغلني هذه المقدمة عن هذا الكتاب الذي استمتعت بقراءته وسأظلُّ أشتاق إلى العودة إلى صفحات مشرقة منه يقتضي الأمر الإفادة من تجلّياتها لعلّ من أهمّها: أقوال الملك عبدالعزيز ووثائق مهمة لا يستغني الباحث عنها، ولعلّي لا أستطيع أن أخفي دهشتي من القصيدة التي ضمّها (الفصل العاشر) بعنوان: (حقائق عن الأمن في شبه الجزيرة العربية ما قبل الحكم السعودي، وفي أيامه) وأعني قصيدة (ضجّ الحجيج) لأمير الشعراء أحمد شوقي -رحمه الله- التي يقول مطلعها:

ضجّ الحجازُ، وضجّ البيت والحرمُ

قد مسَّها في حماك الضرُّ فاقْض لها

لك الربوعُ التي ريع الحجيج بها

أهينَ فيها ضيوفُ الله واضطهدوا

واستصرخت ربَّها في مكّة الأممُ

خليفة الله، أنت السّيد الحكَمُ

أللشّريف عليها، أم لك العلَمُ؟

إن أنت لم تنتقمْ، فالله منتقمُ

وقد لبى الملك عبدالعزيز هذا النداء الصريح الشفيف من شاعر يحمل الجرأة والمصداقية ممتزجين، ويرفع صوته بنسيج شعري إنسانيّ معبّر يبقى ألقاً ووثيقة وشاهداً أميناً للتاريخ والذكرى التي يحتفي بها كل محبٍّ يعمر قلبه الاحترام والتقدير لشخصية الملك عبدالعزيز ويبتهل له بالدعاء بالرضى والمغفرة ويهتف مع عبدالعزيز التويجري في ذكرى الوطن مردّداً نشيداً عنوانه: (لسراة الليل هتف الصّباح).

وما أجمل شهادة الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي اختصر وصف هذا الكتاب الوطني بقوله (الكتاب في حقيقته قصيدة حُبٍّ من أول نظرة كما يقولون). فهو قصيدة حبٌّ، وكلّ أناملنا نشعلها شموعاً وأوتاراً تشترك في صياغة قصيدة الحب للمليك والوطن.

a.s.alhumied@hotmail.com
http://www.alhumied.com
 

لسراة الليل هتف الصباح
قراءة في الكتاب التاريخي الأثير للشيخ عبدالعزيز التويجري
عبد الله بن سالم الحميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفجوال الجزيرةالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة