رحل رفيقي.. وصديقي الإنسان (عبدالكريم الجهيمان) رحل وأخذ معه عمره.. رحل وأخذ معه فصول نصف عمري.
نصف قرن من الزمان مضى.. عرفته فألفته كان لقاء فكر.. وتداخل طباع. وانطباع.. هو في (الدمام) يعزف على أوتار لحونه في صحيفة (أخبار الظهران) وأنا أوقع على شجوني في مجلة الاشعاع بمدينة الخبر صمتَ عن الكلام المباح.. وصمتُّ بدوري لا أدري أقبله أم بعده.. لا يهم..!
الصمت لكلينا صوت ملموس ومحسوس في أدبيات الحياة.. تلاقينا عليه في رياضتنا الحبيبة حيث كنا نعمل سوياً في وزارة المعارف تشدنا إلى بعضنا مجلة المعرفة التي أضافت إلى رصيد الواحد منا معرفة بالآخر.. وقبلها.. وبعدها اكتمل نصاب التلاقي. شيخنا الراحل الجاسر (الجهيمان) وكاتب هذه السطور حيث اليمامة) الأسبوعية.. وحيث التلاقي في جو وفاقي مشحون بالألفة.. والاحترام المتبادل..في بيروت.. وفي عاصمة المعز لدين الله حيث أعمل تجددت اللقيا بنفس الوفاق.. لا شيء عكر مذاقها.. ولا شيء تنكر لوفاقها كان هو الإنسان في حبه.. الرفيق في دربه.. الرقيق في مشاعره.. المعذب في حكاياته.. ومداعباته.. وتعليقاته.لم يسلم تقاعده إلى الخمول.. بعقله الواعي.. وبمداركه الحسية الحية استثمر أيامه وأعوامه.. فكان العطاء بحجم الطموح.
أثرى بالكثير من خبراته وتجاربه أرفف المكتبات.. كان حصاد قلمه مكتبته بلذاتها.. تجمع بين الشعر.. والنثر.. بين الأمثال والحكم الشعبية.. وبين الأسطورة والحدوتة الخيالية التي تخاطب عقل الطفل.. بلغته ومدى مداركه.. أحب الجميع فأحبه الجميع.. عاش حياته متواضعاً.. استقبلها بعقل مفتوح.. عاشها وعايشها بإرادة الحي مقاوما لها دون أن يندثر برداء المهانة والذل.. كان كبيراً.. ورحل كبيراً وهو يعبر دربه الطويل إلى نهايته.
أشعر أنه مازال بيننا حياً يتحرك.. نقرؤه.. ونستقرؤه.. ونتخذ منه القدوة والأسوة الحسنة كمثال للإنسان النبيل، الجميل يحتذى به.. ويقتدى بإرادته الصلبة على مواجهة الحياة الصعبة.
بعدد سنوات عمره الطويل جاءت صفحات فكره الخلاق مليئة بالتجربة.. وبالعصامية التي لا يقوى على مثلها إلا من تستهويهم الريادة.. ويتعشقهم الطموح.. هكذا كان بداية منذ معاناة الصغر.. وهكذا كان نهاية منذ عطاءات الكبر.. كرمته الدولة.. كان جديراً بالتكريم..ابا سهيل.. أيها الغالي لقد أخذت معك نصف عمري.. أستبقيه لديك.. أنت أحق به لأنه محصلة نبلك.. وعقلك.. ووصلك.. ما بقي لي من عمر.. أحتفظ به حتى النهاية كي أتذكرك به صديقا. ورفيقا ومفكراً رقيقاً في شعره ومشاعره.. وفي تواضعه..
لن أنساك ما حييت.. وهل ينسى من هو على قيد الحياة قيمة وقامة وقمة.. حتى وبعد أن يرحل جسداً.. العزاء برحيلك نستقبله بقلب صابر يؤمن أن الحياة رحلة عبور.. تنتهي إلى نهاية.. لا مفر منها.. ولا مجزع.. لأن القضاء.. والقدر.. وما شاء الله فعل.. وكلنا لتلك النهاية اليوم أو غدا أو بعد غد لا أقول وداعاً بل إلى لقاء يعمره الإيمان بقدر وقدرة الرحمن.. كلنا لها أيها الراحل الغالي.
الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338