كنت أعتقد أن هيئة مكافحة الفساد جاءت بكل حيوية وحماس للبحث في أي ملمح للوقوف على حقيقته، لهذا خشيت أن تسارع الهيئة للاستفسار قبل أمانة الرياض حول مقال كتبته يوم 9-12-143 بعنوان « وضحوا لنا حقيقة الأمر يا أمانة الرياض « لو لا أن الله سلم ولم يهتم احد، لا الهيئة ولا الأمانة،
انسجاما من هيئة مكافحة الفساد مع هيئة الرقابة والتحقيق ذات التاريخ التليد في السبات العميق والأداء الروتيني الرتيب الذي لا يرى في ما يطرح في وسائل الإعلام شيئا يستحق إهدار الوقت الثمين أو إشغاله « بكلام جرايد «.
وهذا ما دعاني حقيقة للتفكير والبحث عن الفارق بين هيئة الرقابة والتحقيق وبين هيئة مكافحة الفساد التي أنشئت قبل وقت قصير ؟ إذ فيما يبدو أن المهمة أو الهدف واحد في نهاية الأمر وهذا ما يصعب الإجابة، وأخشى أن يكون الأداء أيضا متشابها لتصبح الإجابة المحتملة أو الأقرب هي إن إنشاء هيئة مكافحة الفساد جاء ربما لتوفير وظائف جديدة، وهو أمر لا يستقيم أبدا مع حقيقة الهدف المرجو من إنشائها، والأمر كذلك، إذن مالفرق ؟ لعل الفرق الذي يتوقعه الكثيرون هو أن تظهر علامات وجود هذه الهيئة وفاعليتها بشكل مختلف عن المعتاد وبشكل أوضح وأظهر من العمل الذي سارت ولا تزال تسير عليه هيئة الرقابة والتحقيق، والتي قلما تكتشف حالات الفساد قبل انكشافه وظهوره، فلم نسمع أن هيئة الرقابة والتحقيق قد كشفت فسادا أو تجاوزا قبل وقوع الكوارث، رغم أن الصحف اليومية تمتلئ بالمقالات اليومية التي تتحدث عن قصور وتقصير في هذه الخدمة وتلك أو هذه الجهة وتلك، ولم يظهر احد من هيئة الرقابة والتحقيق ليعلن أن الهيئة تتابع ما كتب وتتقصى حقيقته، بل إن مقولة (كلام جرايد) قد قضت تقريبا على مصداقية ما يطرح في الصحف لدى القارئ إلى درجة أن الاهتمام بالنسبة للكتاب والصحفيين والقراء اتجه إلى تسخين قضايا ثقافية واجتماعية وفكرية وجعلها الهم الأكبر, وكأننا مجتمع مترف ويسبح في كمال وترف الخدمات والنظم، بل صارت النظم والأنظمة وتطبيقها ومتابعتها وحتى انجازاتها وإخفاقاتها إن وجدت ليست إلا خبر عابر لا يكترث به أحد إلا من باب التشكيك أو التفخيم، رغم إننا دولة نامية تسعى بقوة للحاق بالعالم المتقدم، لكن كيف ؟ والانجازات والإخفاقات غير ذات أهمية للمتابعة والقراءة والتحليل ولم تعد إلا دعايات مملة أو «نغمة» نشاز رتيبة.
إن ظهور هيئة مكافحة الفساد يجب أن يكون بإنجازات تختلف عن المعتاد من حيث الاهتمام والمتابعة والشفافية والوضوح، وليس هناك ساحة أنسب وأنظف من وسائل الإعلام المحلية, ليشعر المواطن فعلا انه في عصر بناء وتنمية هو أساسها وعمادها بعقله وفكره وسلوكه, ولن يكون ذلك إلا بتسليط الأضواء على حراكنا التنموي وجعله بمثابة الهم الجامع للكل، والوسيلة المثلى في ذلك هي ميادين الإعلام المحلي الذي أصبح في حال يرثى لها بعد إعلام التقنية الحديث، الذي أتاح للجميع منافذ أوسع وأرحب للنقد والمتابعة وتشخيص العلل وبؤر الفساد، مما يثير البلبلة ويراكم الشعور والإحساس بضعف وهشاشة الأجهزة الرقابية، والذي ربما يولد السخط والضجر إذا استمر الحال كما هو حيث لا يكتشف ولا يفصح عن الفساد إلا بكوارث وفواجع، والأمر هنا لا يحتاج لأمثلة، فغرق جدة قبل عامين وقبلها الرياض وموت الطالبات والمعلمات في مدارسهن وفي حوادث الطرق البرية وغيرها الكثير والكثير التي لم نر جدية حقيقية في التفكير والبحث عن حلول لها إلا بعد أن وقعت الواقعة، بل إلى الآن لم ندرك أن الحل الأمثل لحوادث الطرق التي تغتال المدرسات والطالبات هو في إنشاء سكك حديدية، فالقطارات أكثر أمناً وسلامة ولكن. على كل حال، أفاد مصدر في هيئة الرقابة والتحقيق لجريدة الوطن الصادرة يوم 21-11-2011م إن تقرير أعدته مفتشات من الهيئة أكد عدم توفر وسائل السلامة في المدرسة المنكوبة (مدارس البراعم)، أي أنهم كانوا يعلمون واحتفظوا بذلك كسر لحين وقوع الكارثة وكأن ليس لديهم صلاحية في التحقيق، وبعد ذلك بيومين أعلنت هيئة مكافحة الفساد بأنها ستنشر أسماء غير المتجاوبين معها في الأجهزة الحكومية، حسناً لعل الفارق بين البيانين يعطي شحنة للأمل والتفاؤل، نقول لعل وعسى.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni