جرت العادة أن يتم توقيت حروب المنطقة في فصل الشتاء أو بداية الربيع.. فإذا كانت هذه القاعدة فستكون الحرب أو الضربة العسكرية التي يمكن أن تتحول إلى حرب خلال الثلاثة الأشهر القادمة..
منطقة الخليج دائماً مستهدفة من القوى العالمية للدخول في حروب لأهداف مختلفة ومسببات متنوعة ولكن يظل هدف استنزاف إيرادات النفط هو النتيجة المطلوبة لتجار الأسلحة ومهندسي السياسة العالمية.. وقد شهدت عدة حروب في المنطقة جميعها جاءت بعد فترة زيادات كبيرة في أسعار النفط أدت إلى تمويل محتمل لمثل هذه الحروب.. كما أن القراءة التاريخية لحروب الخليج أن كل عشر سنوات تقريبا تشهد حرباً في المنطقة، وهذه الفترة كفيلة بتجميع دول المنطقة أموالاً ضخمة وإيرادات كبيرة من النفط تحديداً للصرف على هذه الحروب..
فلو نظرنا تاريخياً لوجدنا حرب الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي قد نشبت بين العراق وإيران، وتلتها عام 1990م حرب تحرير الكويت، ثم حرب صدام حسين وإسقاط النظام العراقي عام 2003م، ثم من المتوقع أن يشهد عام 2012م حرباً ضد إيران.. أي بمعدل حرب واحدة على الأقل كل عشر سنوات تقريباً.. وهذا هو المعدل الطبيعي لدفع فواتير الحرب السابقة، وتجميع قيمة حرب جديدة..
وهناك طرفان رئيسان في منطقة الخليج، طرف هو ضد الحروب ويدرك أن الحروب هي دمار للمنطقة واستنزاف لخيراتها، وفيها تعطيل لخطط التنمية ومشروعات التقدم والتطوير لمجتمعاتها.. ودول مجلس التعاون الخليجي تعمل على هذا الأساس وفق عقيدة واضحة تؤمن بها قيادات وشعوب دول المجلس.. أما الطرف الثاني فهو الطرف الذي يتم استدراجه لمثل هده الحروب، بناء على سياسات حمقاء أو سوء تقدير أو نتيجة أطماع إستراتيجية.. ولهذا فشخصية مثل صدام حسين وقع في مصيدة تجار السلاح وعملاء الاستخبارات العالمية، ودولة مثل إيران بسياساتها الحالية هي دولة يتم استدراجها حالياً لبناء بيئة ومواصفات وأجواء نشوء حرب في المنطقة..
والدول العظمى قد تخطط وقد تفكر وقد تؤسس لفكر حروبي، ولكن يظل الأبطال الذين يتم استدراجهم هم أبناء المنطقة وشخصياتها، ويتم استثمار السياسات التي تتبعها بعض الدول وتوظيفها لبناء حالة نفسية وإعلامية وسياسية تهيئ لنشوب مثل هذه الحروب.. وما عمل عليه صدام حسين في حربه مع إيران، ثم في احتلاله لدولة شقيقة مثل الكويت هو تحقيق لمتطلبات نشوب حروب في منطقة الخليج. كما أن ما تعمل عليه إيران من سياسات ومشروعات توسعية في المنطقة - من حيث تدري أو لا تدري - هو العمل الذي سيغذي فتيل الحرب الرابعة في منطقة الخليج..
صوت الحق - والحق يعلو ولا يُعلا عليه - هو صوت المنطق وصوت الواقع وصوت الحكمة، وقد عبّرت عنه المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي في أكثر من مناسبة أن إيران يجب أن تستوفي استحقاقاتها تجاه العالم، ويجب أن تعيش في المنطقة دون مناورات أو أفكار توسعية، ويجب أن تحترم استقلالية جميع دول المنطقة ولا تعمل على إثارة القلاقل والفتن فيها.. ومن يتابع السلوكيات الإيرانية سيجد أنها تصب في تهيئة العالم لحرب قادمة لا محالة..
وسبق أن كتبت فيما مضى عن مراحل نشوب الحروب حيث توجد مراحل عديدة لنشوئها، وأظن أننا حاليا في المرحلة النهائية التي ستتلوها حرب إذا لم يتم تداركها من قبل إيران، أما اتجاه الدول العظمى وخاصة الغربية وهي التي تمتلك القرار الأخير فهو إلى مثل هذه الحرب، سواء كانت على شكل ضربة وقائمة تنطلق من إسرائيل أو من بعض اسطولات الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو فرنسا أو جاءت لمفهوم حرب أوسع وأكبر في حالة رد إيران بطريقة عشوائية لخلط أوراق المنطقة..
وما نأمله نحن في دول مجلس التعاون الخليجي هو ألا تحدث مثل هده الحرب، لأنها ستجر معها ويلات كثيرة على المنطقة، وستؤثر سلباً على المشروعات التنموية في هذه الدول.. ولكن دول المجلس هي طرف خارج هذه الحرب كقرار سياسي، ولكنها قد تضطر إلى دخول اضطراري في حالة وجود تداعيات عبثية من إيران لجر المنطقة ككل في مواجهة أو الدخول في هذه الحرب..
ونعود إلى مقولتنا الرئيسة في هذا المقال، وهي أن الظروف والسياسات التي تتبعها إيران هي استدراج لها لتلبية شروط نشوء حرب دولية ضدها.. ولمرات عديدة يخفق الساسة في منطقة الخليج كما فعل صدام حسين فيما مضى، والساسة الإيرانيون في الوقت الراهن في تقدير الحدث الدولي، وبناء توقعات هلامية غير محسوبة من النتائج التي في ظنهم قد تعيق الأطراف الدولية دون بدء حرب ضدها.. وسيكتشف هؤلاء الساسة أنهم يقعون خلف الأحداث، ولن يستطيعوا أن يقودوها أبدا.
(*) رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa