تجاوز المجتمع العربي مرحلة الحواجز الأمنية والمتاريس ضد أي إرهاب محتمل، فقد ثبت بما لا شك فيه أن الإرهاب كثقافة أو كوسيلة للتغيير قد ولت إلي غير رجعة، ولو تأملنا أحداث التغيير الأخير في اليمن ومصر لزادت قناعاتنا أن وسائل الإرهاب والقتل من أجل التغيير قد انتهت، فالبلدان تعرضا لحلقات متكررة من الإرهاب الدموي في الماضي، لكن حراكهم الإنساني السياسي الأخير تميز بخلوه من فكر الإرهاب، والذي لا يحترم أي مواثيق إنسانية أو دينية، بالرغم من محاولات السلطات لجرهم إلى ذاك الخندق، لكنهم وفي ظل غياب الأمن سجلوا رصيداً عالياً من الوعي الحضاري، وكان التزامهم المدني بالطرق السلمية بمثابة الإعلان الوطني بخلو البلاد من خلايا الإرهاب.
***
أثبت الإنسان العربي أنه مدني بامتياز، عندما أظهر ممانعة كبرى لتلك الأفكار العنيفة، وعندما تسلح بقوة السلام والمطالبة بالحقوق المدنية، وقد ظهر ذلك الأثر على العمل السياسي للحركات الإسلامية والتي بدلت جلدها في وقت سياسي، وتخلت عن شعاراتها الرنانة، التي أثبتت فشلها لعقود، وسيكون الرهان في المستقبل في امتحان احترام الحريات الفردية في حدود القانون، وقد أبدت بعضها احترامها لتلك الحقوق، إذا تسلموا مقاليد الأمور، ويبدو أنهم في الطريق لأخذ دورهم التاريخي في المرحلة القادمة، بعد ما حشدوا قواهم وأحسنوا التنظيم المدني.
***
إشكالية أتباع التيار الديني التقليدي أنهم يريدون فرض رؤيتهم الشخصية على أساليب الحياة للآخرين، وفي مطاردة الناس في منازلهم وفي الأسواق وغيرها، أي أن بعضهم يركز على ملاحقة الخطايا الصغيرة، لكنه يغض النظر عن الجرائم الكبيرة مثل الفساد المالي والبطالة والاحتكار والاتجار بمصالح الناس، وُيعتبر ذلك تمويه واختزال الدين في أشياء لا تدخل حتى في حكم الصغائر مثل كشف الوجه والموسيقى وغيرها، لكن المصيبة أن يعتقد بعضهم أن ذلك يؤثر إيجاباً في الاستقرار، وأنه وسيلة مجدية لتبييض وجه السياسي أمام الناس، لكن ذلك ليس بالضرورة صحيحاً، وتفتقر تلك المعالجة إلى الرؤية العصرية للسياسي المحنك، فالناس وصلوا إلى محطات متقدمة من الوعي بالفساد، والذي لا يمكن إختزاله في علاقات الرجل والمرأة والموسيقى، ولو أجرينا استفتاءاً عاماً لربما أضحت معالم التغيير في وعي الناس..، وحتما يكسب السياسي أصوات الناس وتأييدهم إذا وقف ضد التلاعب بثروات البلاد واحتكار مصالحها وعالج قضايا انتشار الفقر والأمية و المرض والمخدرات.
***
نجحت الحكومات العربية في مكافحة الإرهاب وفي تشتيت أوكارهم وخلاياهم النائمة، وكان العامل الأهم في ذلك النجاح عدم قناعة الناس بالحل الدموي والقتل وإرهاب الآمنين من أجل التغيير، كذلك إيمانهم أن هؤلاء لا يمثلون الحاضر بكل ما يحفل من معاصرة وتطور هائل في مختلف المجالات، ولكن يمثلون حقبات مظلمة في تاريخ المسلمين، كان شعارها القتل من أجل التغيير، وقد اتسعت السجون لأغلبهم، وذلك لندرتهم في المجتمع، لكن التحدي الأكبر سيكون في محاولة معالجة خروج الجماهير السلمي إلى الشارع بالحلول الأمنية أو بالتشكيك في قدراتها أو إمكانية حدوثها، وقد أثبتت فشلها في تونس وسوريا ومصر واليمن وأيضاً في البحرين، لأن الطريقة السلمية مؤثرة وتشبه كرة الثلج،.. تزداد حركتها كلما كبر حجمها، ولا سبيل عن المسارعة في دفع عجلة الإصلاح قبل أن يصل الإنسان إلى قناعة الخروج للشارع من أجل فرض التغيير الذي يقاوم الفساد المالي والإداري.