تقرير لجنة تقصي الحقائق عن أحداث البحرين الأخيرة كانت مفاجأة للجميع، فضلاً عن أنها كانت - أيضاً - سابقة في تعامل الحكومات العربية مع المعارضة. اللجنة أدانت الممارسات القمعية للسلطات البحرينية الأمنية، وأكدت أن التعاملات مع المحتجين شابها إفراط في استخدام العنف، واشتملت على أعمال تعذيب وانتزاع اعترافات بالقوة. وأكد عدم وجود أدلة على علاقة المعارضة بإيران. كما أنها نفت علاقة قوات درع الجزيرة بالقمع أو ممارسة العنف مع المحتجين. وعندما علق ملك البحرين على التقرير تعامل معه باحترام وموضوعية، و(ذكاء) أيضاً؛ فأكد أن ما تضمنه التقرير سيكون محل اهتمام لتعامل الحكومة مع المعارضة، ومنه شخصياً. كما رحب المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج بخطاب ملك البحرين، وجدد (دعمه المطلق والثابت لمملكة البحرين في كل ما يحقق أمنها واستقرارها وتطلعات شعبها وطموحاته نحو مستقبل أفضل).
كان العرب - وساستهم ليسوا استثناء منهم - لا يعترفون بالخطأ، ولا يقرون به؛ ففي موازينهم أن الذي يُقر بخطئه يفقد هيبته، وينظر إليه الناس شزرا؛ لذلك كان الإصرار والمكابرة والعناد تعتبر دليلاً على القوة ورباطة الجأش والثبات على المواقف. بينما أن أفضل الطرق لاستقطاب التعاطف فضلاً عن احترام الآخرين، هو أن تعترف بخطئك لا أن تدافع عنه. الاعتراف بالخطأ - كما يقولون - يسقط في يد أضدادك، ويجعلك تكسب تعاطفهم وإعجابهم معاً.
كما أن قبول ملك البحرين للتقرير، وترحيبه به، ألقى بالكرة في ملعب المعارضة، وأثبت أن القضية بالنسبة للرجل الأول في البحرين ليست قضية عناد ومكابرة وإصرار، أو دفاع عن الأجهزة حتى وإن ارتكبوا انحرافاً، وإنما هي البحث عن الحقيقة المجردة؛ وطالما أثبتت اللجنة ذلك، فهي بالنسبة له مقبولة. وهذا يعني أن الملك تقدم نحو المعارضة خطوات، فكان لا بد للمعارضة الآن مضطرة أن تتقدم إليه في المقابل خطوات، وإلا فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها كمعارضة مسؤولة، هدفها الإصلاح وليس التشفي وتسجيل المواقف؛ وهو ما سوف يُمهد عملياً إلى تنقية الأجواء أملاً في ترسيخ مصالحة وطنية، تقوم على الحوار وليس العنف والشغب والتصعيد الإعلامي، وتكريس الانقسامات الفئوية بين أبناء البلد الواحد.
إن خطوة الملك حمد هي خطوة تاريخية، وتغير نوعي في تعامل الزعماء العرب مع القلاقل والاحتجاجات في بلدانهم؛ كما أنها تُثبت أن أقصر الطرق، وأفضلها، وآمنها على المدى البعيد، لتطويق الاحتجاجات هو التعامل معها بموضوعية بعيداً عن الحلول الأمنية؛ فالحل الأمني هو سلاح ذو حدين، صحيح أنه قد يُفيد السياسي، ويُمكنه من السيطرة على التمرد والاحتجاجات لكنه - أيضاً - قد يتحول إلى سلاح ضدك، خاصة عندما يتفاقم الوضع، ولا تجدي الحلول الأمنية، فينقلب إلى دليل إدانة قد يصل إلى أن يكون سبباً لاجتثاث النظام من جذوره، كما حصل في كثير من الدول العربية التي حاولت في البداية كبح جماح الاحتجاجات بالحلول الأمنية، فكانت وبالاً عليها في النهاية؛ ولعل ما تتعرض له سوريا الآن، والمأزق الذي وجد السوريون أنفسهم فيه، دليل واضح على أن الحل الأمني قد يعود ليطعن صاحبه بدل أن يُقوي سيطرته ويقوي نفوذه.
الآن لا مفر من محاسبة المسؤولين البحرينيين عن هذه الانحرافات؛ وفي الوقت ذاته تطوير النظام السياسي، والدخول مع المعارضة في حوار حقيقي وجاد هدفه الوصول إلى نقطة التقاء بين السلطة والمعارضة مهما كان الثمن باهضاً مؤلماً؛ فالقضية منذ الآن، وبعد أن قبلت السلطة بنتائج التقرير، يجب أن تعالج معالجة أكثر حكمة، وإلا فإن الأمور ستعود إلى حيث بدأت من جديد.
إلى اللقاء