كنت قد أشرت في المقال السابق إلى أهمية إعادة النظر في أداء بعض الوزارات التي أخفقت في حل مشكلاتها, والتفكير من جديد في إيجاد حلول خارج نطاق الوزارات، من خلال صيغة إدارية مناسبة تحت مفهوم الإدارة المحلية.
منطقة مكة المكرمة والأمير خالد الفيصل نموذج للعمل خارج طوق الوزارات، وأنا هنا لا أقلل من دور الوزارات في مكة المكرمة, كما لا انسب النجاح جله وكله لأمير مكة المكرمة، لكن خالد الفيصل أدار العمل في المنطقة بصورة شمولية، ونجح في التنسيق بين الوزارات دون أن تعيق القطاعات بعضها البعض، بل حول فروع الوزارات إلى إدارة محلية واحدة تعمل بمنظومة إمارة المنطقة... وهذا قد يكون تجاوز وقفز على هيكلية الوزارات, وهي أيضاً صورة مطورة من الهيئات العليا لتطوير المدن, لأنها تتجاوز البيروقراطية الطويلة التي تعمل بها الوزارات وهيئات المدن وتتجاوز المجلس البلديات الرتيبة والنمطية, لكنها الانجح والأجدر لإنجاز المشروعات التي يتطلب تنفيذها عاجلا دون أن تمرر على المسارات البيروقراطية السلبية بين القطاعات.
خالد الفيصل قدم لنا نموذجا جديدا في إدارة إمارات المناطق التي تجاوزت الإجراءات المطولة والتباطؤ في تنفيذ المشروعات والتراخي في الإنجاز لجعل القطاعات تعمل جنبا إلى جنب دون أن تتحول القطاعات إلى أداة للإفشال والتأخير.
نريد هذا النمط من الإدارة الذي استطاع في زمن قصير جلب المشروعات والاستثمارات والإصلاحات إلى منطقة مكة المكرمة على الرغم من صعوبة جيولوجية وطبوغرافية المنطقة المعقدة ومفاجآت الأحوال الجوية التي تؤدي الى هطول أمطار وإلى فيضانات، أيضاً البيروقراطية السلبية والفساد الذي أصبح له سجل طويل في قطاع الخدمات بالمنطقة، وأفواج الحجيج الموسمية والزوار طوال العام، وعلى الرغم من تلك التحديات الديموغرافية والطبوغرافية إلا أن الفيصل استطاع أن يتغلب على الظرف السكاني والطبيعي - بإذن الله - وينفذ المشروعات وسط تحديات صعبة خلال سنوات قليلة جدا حيث حقق نجاحا كبيرا لا يقاس بعدد سنوات إمارته, في حين أن بعض إمارات بعض المناطق سلمت الأمر للوزارات اعتقادا منها أن هذا شأن خاص بالوزارات, لذا يلاحظ بطء المشروعات خاصة في المحافظات البعيدة عن الضوء الإعلامي في ظل عدم وجود صحف أو إذاعات أو محطات تلفزيونية لتلك المناطق.
خالد الفيصل يتبنى رؤية جديدة في إعمار البلاد, مدعومة بفلسفة ورسالة مفادها أن هندسة المدن تحتاج إلى قائد ومخطط واحد تمثله إمارة المنطقة, وان الوزارات هي اذرعة التنفيذ. ويرى أن إمارة المنطقة هي المسؤولة عن التخطيط وإيجاد احتياجات المنطقة وهي أيضاً المسؤولة عن تخطيط المنطقة والمعنية بإعمارها وهندستها أي أنها هي وحدة البناء والإعمار,
كذلك يرى أن بناء المدن لا يتم بصورة منفصلة ومعزولة على طريقة (كل على واديه) بل وفق رؤية واحدة وفلسفة واحدة وقائد واحد يمثله أمير المنطقة، أو إمارة المنطقة، أو فريق عمل موحد.
a4536161@hotmail.com