تسونامي أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو بدأ يجرف في طريقه حكومات كل دولة مأزومة بالمنطقة فقد استقال برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا وسبقه قبل ذلك بأيام قليلة رئيس الحكومة اليونانية باباندريو والذي مر بفترة حرجة عاشتها بلاده في ظل تفاقم أزمة الديون السيادية التي تفجرت منذ العام الماضي باليونان ولم يرَ الساسة اليونانيون أفضل من نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي ليقود مرحلة الحكومة الانتقالية لحين إجراء انتخابات برلمانية تأتي بحكومة ذات أغلبية لتقود اليونان إلى بر الأمان اقتصاديا واجتماعيا. وقد أكد الرئيس الجديد للحكومة أن اليونان لن تخرج من منطقة اليورو لأن بقاءها فيها يضمن استقرارا ماليا لها ولكن هناك بالتاكيد ضرورة أهم لبقائها وهي تماسك المنطقة الأكثر سخونة بالعالم حاليا؛ فالتداعيات تتحرك باتجاه باقي الدول وإن كانت إيطاليا هي التي تسلط الأضواء عليها حاليا نظرا لوصول الأزمة لها وإن كان بملامح أقل وضوحا وبمعطيات جديدة؛ فالحكومة الإيطالية المستقيلة سيخلفها حكومة اقتصادية بحتة أكثر قبولا بالشارع الإيطالي قد تكون قادرة على بلورة الحلول وإعطاء مصداقية وشفافية أكثر لواقع الاقتصاد الإيطالي، ولكن مفاجاة رئيس وزراء اليونان السابق تبقى هي الأهم والتي فجرها إبان اجتماعات مجموعة العشرين بأنه يعتزم إجراء استفتاء عام على خطة الإنقاذ وحزم التقشف الكبيرة في بلده فكانت بمثابة الصدمة العنيفة لقادة أوروبا والعالم أيضا لكن قرار باباندريو كان ذكيا بامتياز؛ فالرجل مقتنع بالخطة وهو من عمل على التوصل لها ولكن شعوره بأن الشارع اليوناني لم يتفهم بعد خطورة الوضع اليوناني وانعكاسه السلبي على دولته ومنطقة اليوور والعالم هو ما دفعه لهذا القرار والذي تراجع عنه بضغط أوروبي وحتى برلماني من دولته لينتهي إلى تصويت على الثقة بحكومته والتي جاءت نتيجته لصالحه وإن كان ذلك قد دفعه للتخلي عن منصبه لصالح تشكيل حكومة أخرى إلا أنه أراد أن ينقذ بلاده بالموافقة على الحل الذي توصل له مع شركائه الأوروبيين حتى لو كان بحكومة أخرى شكلت بنسيج اقتصادي، وأراد رئيس الوزراء اليوناني المستقيل أيضا أن يضمن تقديم باقي حزم الإصلاح وما تم الاتفاق عليه من خلال تأكيد الأوروبيين له بأن المساعدات قادمة لكم لا محالة ولن يكون هناك تردد بها إطلاقا وسنقبل بكثير من الإجراءات التي تتخذونها بعد أن زادوا من ضغوطهم عليه دون مراعاة لوضع الشب اليوناني وحالة الاحتقان الكبيرة بالشارع اليوناني بحيث توازن بين الحالة الداخلية لليونان وحالة المنطقة التي تعيش أزمة كبيرة تقف فيها نجاعة كل الحلول على نجاحهم باليونان أولا وقد يساعد قرار باباندريو الحكومة الجديدة للحصول على مزيد من خصم الديون لكي تتمكن اليونان من العودة سريعا لوضع يسمح لها بدعم اقتصادها ومنطقة اليوور أيضا؛ فالجميع بات يعلم أن أي فشل أوروبي باليونان يعني إفلاسا ماليا ليس لها فقط بل للقطاع المالي الأوربي ومعه كبرى البنوك الأمريكية والآسيوية؛ فالتداعيات ستطال إيطاليا مباشرة بشكل أكبر مما حدث بالأيام الماضية عندما ارتفع العائد على السندات الإيطالية لا على مستوياته حيث فاق 7 بالمائة قبل أن يتراجع قليلا وهنا ستكون الكارثة على أوروبا ونظامها المالي وبالتالي اقتصادها وستتسارع وتيرة انتقال العدوى لتصاب بها إسبانيا والتي لن يترشح رئيس حكومتها بالانتخابات القادمة كما أعلن سابقا ومن بعدها فرنسا أيضا التي باتت على وشك فقدان تصنيفها الائتماني الأعلى عالميا والتي تبدو حكومتها بوضع مهزوز قد يدفعها للاستقالة أيضا إذا ما تفاقمت الأوضاع الاقتصادية أكثر فيها. لقد تأخر الأوربيون بالحل الواضح لأزمتهم، ويدفعون ثمنا كبيرا بل وسيكون أكبر مستقبلا فقد أخطأوا مرتين الأولى عند انطلاق عملتهم الموحدة والتي ثبت أنها كانت بقرار سياسي أكثر منه اقتصادي والدليل أن الرئيس الفرنسي علق قائلا «لقد كان دخول اليونان لليورو خطأ من البداية» أمَّا الخطأ الثاني فهو بتأخرهم وترددهم بوضع حلول جذرية للأزمة منذ بدايتها باليونان ومعالجة مشكلتهم الاقتصادية بأسلوب مختلف يضمن نموا من جهة والتزما ماليا يعيد كل دولة لثوابت معاهدة ماسترخت التي حددت نسبة الدين للناتج الوطني لكل دولة ونسبة العجز بالميزانية وكذلك إضافة إجراءات أخرى تمكنهم من إدراة منطقتهم ماليا وليس نقديا فقط.