الإنسان بطبعة مفطور على العيش وسط جماعة من الناس يتفاعل معهم بشكل مستمر, سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة أو العمل أو المجتمع المحلي. ولكن طبيعة العلاقات الإنسانية تختلف من شخص لآخر حسب شخصيته وإمكانياته التي يتميز بها, وحسب بيئته التي يعيش فيها, وحسب العادات التي تحكم مجتمعه.
ومن المعروف أن هناك أشخاصاً يتمتعون بمهارات اجتماعية «عالية» بينما يفتقر آخرون إلى أبسط أبجدياتها, فما هو السبب يا ترى الذي يجعل بعض الأشخاص يأسرون الآخرين من أول مقابلة؟ لا شك أن الشخص الناجح اجتماعياً والمحاط بالعديد من الأصدقاء والمعارف يتمتع بـ»كاريزما» معينة تجعله شخصية جذابة ومحببة من قبل الآخرين, حيث يجذبهم بحديثه وإيماءاته, ويحسون معه بالراحة والاطمئنان, وكأنهم يعرفونه منذ زمن! إنه يؤثر فيهم إيجابياً, ويدفعهم -دون شعور منهم- إلى الوثوق به وبآرائه.
فهو يملك «سحر» من نوع خاص! هو نوع مشابه للسحر الذي ذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن من البيان لسحراً).
إن الشخص الناجح اجتماعياً لا يتمتع بقدرات لغوية عالية فقط, بل ويمارس مهارة «الاستماع» بجدارة, وهي صفة لا يتمتع بها الكثير من الأشخاص للأسف! كما أنه يحرص على التواصل البصري مع الشخص الذي يتحاور معه, وذلك لكي يشعره بأنه مهتم به وبما يقول.
ولكي يبين له أيضاً كم هو واثق من نفسه وقدراته, فالشخص الذي يتحاشى النظر في عين محدثه ينقل له رسالة مفادها «أنا غير واثق من نفسي» أو «أنا غير مهتم بما تقول».
لكن هناك للأسف من يفهم هذه المهارة الاجتماعية بشكل خاطئ, فيقوم «بالتحديق» في الشخص المقابل بطريقة «منفرة» تجعل الآخرين يتضايقون منه.
فالتواصل البصري الصحيح لا يركز على نقطة معينة في وجه الآخر, بينما التحديق يعني تركيز نظر الشخص على نقطة معينة في وجه الآخر بصورة مزعجة! ومن الأمور المهمة أيضاً «لغة الجسد», فالشخص الماهر اجتماعياً يستخدم يديه وتعبيرات وجهه, ويحرك كتفيه ورأسه بطريقة تعبر للطرف الآخر بمدى اهتمامه بالحديث معه, أو لنقل مشاعره إليه بطريقة غير مباشرة.
كما أن «نبرة الصوت» لها دور مهم في ترك أثر إيجابي لدى المتلقي.
يقول جيفري جاكوبي في كتابه «كيف تقولها بصوتك» (التواصل هو واحد من أهم الأشياء التي نقوم بها, وأصواتنا هي الأدوات التي من خلالها نستطيع القيام بذلك بكل جدارة).
فنبرة الصوت اللطيفة غير المزعجة ولا المنخفضة تجعل الآخر ينجذب إليك ويبدي اهتماماً بما تقول.
إن الشخصية الاجتماعية المؤثرة هي موهبة من الله تعالى, وإن كان بعض العلماء يرى بأنه يمكن تعلمها واكتسابها حسب سلسلة من التمارين المنظمة.
والعلاقات الاجتماعية مهما كان نوعها سلباً أم إيجاباً هي بلا شك خير من «العزلة» و»الانقطاع».
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).
ولنا في ذلك القدوة لنكون مؤثرين ومتأثرين نبني علاقات اجتماعية مفيدة وننقل خبراتنا لمن حولنا بالاستفادة من المقومات التي اختص بها بعض أفراد المجتمع فنرتقي بثقافتنا وأسلوب الحوار لدينا بنبذ السلبيات وتأكيد العمل بإيجابياته.
- شقراء