منذ أن توحدت البلاد بكيان واحد وبعد أن تفجر النفط وبات لها دخل وطني يغنيها عن الاعتماد على موارد غير مضمونة بدأت مرحلة البناء والتغيير، البناء في الوسائل والمرافق والتغيير في واقع الناس وتأهيلهم لمواطنة الدولة، هذه المرحلة امتدت إلى يومنا هذا وستستمر في أزلية المستقبل، ومنذ البداية وحتى الآن كان لرحلة البناء والتغيير مسيرات ووقفات تسهيلات وعقبات، البناء لم يكن يعيقه سوى الأموال ولكن التغيير كان يعيقه كل شيء، وأعظم ما يعيق ذلك التغيير هو الفكر المجافي، ذلك الفكر المقيد بمفاهيم عصية تضرب أطنابها في تراث من العادات والتقاليد مسلح بعقيدة دينية شديدة الصلابة، هذا الفكر كان يمثل محصلة الموقف الشعبي والرسمي، وكان يشتد ويرتخي تبعاً للظروف والأحداث، وكان التغيير يحدث لدى فئات من المجتمع يتم فصلها وتشكيلها خارج المنظومة الاجتماعية ثم تعود تلك الفئات للمجتمع لتكون عوامل مألوفة يراد بها إحداث تغيير مناسب، ولكن سرعان ما يتحوصل ذلك المجتمع طارداً تلك الفئات خارجه وبين كر وفر بات المجتمع اكثر قبول لعوامل التغيير، ولكنه بالمقابل خلق خلايا داخل المجتمع تعمل بصورة معاكسة لعوامل التغيير وتناصبها العداء حتى بات المجتمع رهن اتجاهين، تغييري تنويري وآخر تغييري تحوصلي.
التغيير هو سنة الحياة والزمن يقاس بالتغيير المادي والمعنوي ولو لم تتغير الأشياء لما عنى لها الزمن أي معنى، ولكن للتغيير أنماطا وسلوكا والتغيير المادي يأخذ نمطاً ممتداً حتى يصطدم بتغيير مادي آخر فيحدث هناك محصلة لتغييرين وهذا ماثل العيان في التضاريس الجغرافية والكينونات المادية وربما في حياة الحيوانات غير الذكية، ولكن عندما يكون التغيير في ميدان المعاني الحياتية يأخذ التغيير نمطاً معقداً من الفعل ورد الفعل ويعتقد علماء السلوك الاجتماعي أن أهم عوائق التغيير المعنوي هو الخوف من التغير بحد ذاته، وأن ذلك غير معلق بتفكير منطقي، بل إن الحجج التي تساق لعدم التغيير هي حجج عاطفية، فالتغيير مقلق لأن واقع الحال مريح والتغيير مقلق لأن الواقع المراد مجهول والتغيير مقلق لأن الداعي للتغيير غير مقنع والتغيير مقلق لأن التغيير يقتضي التخلي عن مكتسبات والتغيير مقلق لأن التغيير مكلف والتغيير مقلق لأن التغيير غير مضمون، هذه المشاعر يمكن معالجتها بوضع برامج ومشاريع استرشادية تجعل من التغيير أكثر وضوحا، ورفض التغيير ليس عملية سلبية تحدث في النفس فقط في معظم الأحيان ولكنها تكون في صورة عمل تفاعلي يوظف التراث لمنع التغيير، فيستدعي المعتقدات والقيم والتقاليد ليخلق سداً منيعاً من التحريم والتهويل والاستعداء لعوامل التغيير.
نحن نعيش هذه الأيام فورة من فورات مقاومة التغيير، فيقال التغيير تغريب والتغيير ليبرالية والتغيير تحرر والتغيير علمانية والتغيير تخلٍ عن الثوابت والتغيير هتك للأعراض والمروءات والمثل، والتغيير خطر داهم سيفكك المجتمع ويجلب على الأمة الويل والثبور، هذه المقاومة للتغيير تستهدف معاني اجتماعية محددة لتقوضها في سبيل مواجهة التغيير، فقيادة المرأة بصورة خاصة وواقع المرأة بصورة عامة ميدان متميز لمقاومي التغيير، حيث يسهل حشد المشاعر في هذا المضمار، وحقوق الإنسان وما يتصل بذلك من مسائل حقوقية تمس المرأة والطفل والعلاقات الأسرية هي أيضا ميدان آخر لصراع التغيير ولكن الميدان الأكثر وغى، هو التعليم والتربية الاجتماعية والسلوك العام، فهذا الميدان يحتشد فيه طلاب التغيير ومناؤوهم وتستشعر وطيسهم وكرهم وفرهم، فالمناهج بين راكل وحاضن والإدارة الصفية والإرشاد الطلابي موقد لحرق كل النظريات والأساليب. وعلاقة الأستاذ بالطالب أصبحت علاقات متعددة، فالأستاذ واعظ والأستاذ مفتي والأستاذ محرض.. إلخ.
دعاة التغيير حجتهم أن العالم يسير للأمام وهم يعتركون مع مقاومي التغيير فيرتد بنا المسير للخلف، وأمم كانت بالأمس خلفنا باتت تتخطانا بمكتسبات بنائية وحضارية، مواردنا نحرق طاقتها في هوامش ومستهلكات ونقنع بعضنا أننا على الطريق سائرون ولكن الاتجاه غير معروف، وعندما تنفذ تلك الموارد سنكتشف أننا في نفس المكان وغير الزمان. عندها ستطير الطيور القادرة من دوحة جفة غصونها وسقطت أوراقها.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail