أمجد طفل شقي كما يقول عنه الجميع، يعبث في كل شيء يمر به بلا استئذان، ويحلو له كثير أن يمزق الصمت في كل بقعة يزورها، يسعده كثيرا انقضاضه على ألعاب أخته، ويطرب أكثر لانزعاجها ومعاناتها، فهو قادر على خسارة من حوله بسهولة، حتى أصبحت مجمل الجارات يتهربن من ملاقاة والدته كي لا تحرجهن بفرض صحبته على أبنائهن. تشتكي معلماته باستمرار في المدرسة من سلوكياته السيئة وأدائه المدرسي غير المستقر، فهو يبدو يوما بأفضل أحواله واليوم الآخر كمن يعاني من الأمية، لا يكاد يدخل مكانا إلا وألبسه ثوب الفوضى وعدم الترتيب، ولا يمر عليه حديث إلا وقاطعه حتى كره الجميع التواجد معه في نفس المكان، تشعر والدته دوما بالإحراج، فعلامات الامتعاض والانزعاج تبدو على كل من تلقاهم، وكلمات التأنيب والتقريع لا ينفك يسمعها ممن حوله، وكأنه أصبح مصدر هم للجميع، يئس والده من تعديله وأصبح يماثله في العنف والصراخ مفترضا أن العقاب وسيلة لتغييره، أما والدته فأصرت على متابعته حتى اهتدت لأحد الأطباء المتخصصين في الطب النفسي للأطفال والذي قلب لها كل المعايير السابقة، فأمجد لم يكن يتعمد الشقاوة كما رآه غيره، ولا يتفنن الشر والأذية كما حلله الكثيرون، بل كان طفلا يعاني من اضطراب الانتباه والنشاط الزائد يئن تعبا أيضا من ردود فعل الآخرين السلبية تجاهه، جل ما كان يحتاجه أمجد جرعة يومية من الدواء يتناولها فتجعله يهدأ من الحركة ويستقر، وبكل تأكيد كان يحتاج أيضا للكثير من القبول والتفهم ممن حوله كي يتسنى له أن يخرج من الزاوية.
مثل أمجد وغيره ممن لديهم هذا الاضطراب يكابدون مصاعب عديدة في مراحل حياتهم المختلفة، لكنهم يتميزون أيضا بالذكاء الذي قد يندثر خلف مظاهر الحركة والاندفاع، وبدون دعم المحيطين بهم قد ينتابهم الإحباط فيتعثرون في مسيرتهم العلمية، وإحدى العقبات الجوهرية التي قد تحول دون تقدمهم في التعليم، هو افتقار العديد من المعلمين العاملين معهم لأساليب التعامل مع التحديات التعليمية والسلوكية المصاحبة لهذا الاضطراب، وكنتاج لذلك فإن الطالب قد لا يتلقى الخدمات المناسبة التي يحتاجها للنجاح في المدرسة أو حتى بالجامعة، مما يقود به لمتاهات وتعثرات قد تدفع به من جديد للزاوية، جل ما نتمناه ممن يعملون مع طلابنا ممن لديهم هذا الاضطراب هو التعرف أكثر على آلية التعامل مع تبعيات الاضطراب وفسح المجال بشكل أكبر لهم كي يثبتوا لنا أنهم قادرون، فالتواري خلف السلوكيات الشقية ليس جزءا من شخصياتهم الحقيقية، بل نتاج معروف مسبقا لمن يحمل هذا الاضطراب، وعلى الرغم من ملامسته سلبا لجوانب سلوكية لديهم، إلا أنه قادر على التحسن بجهود مجتمعية تقف معه لا ضده، فهم بحاجة لمن يتفهمهم ويحسن الظن في نواياهم، لا من يوجه أصابع الاتهام لهم.
مثل أمجد أطفالا كثيرون في مجتمعنا تتجاذبهم التعاملات المتقلبة من أسر محبطة، و معلمين عاجزين عن التواصل معهم، وبظني أن مجتمعنا بأمس الحاجة لإعادة النظر في تأهيل معلمي التعليم العام بما يحقق القدرة لديهم للتعامل مع التنوع والاختلاف بين الطلاب، ليجد أمجد وكل الطلاب ممن لديهم احتياجات خاصة فرصا متساوية للتعلم مع غيرهم في مدارس لا تركن بهم للزاوية.
salkhashrami@yahoo.com