تعكف بحوث ودراسات العلوم الإنسانية عالمياً على تحليل واقع ما يسمى بالإعلام البديل أو الإعلام الجديد باعتباره يخلق واقعاً معرفياً واجتماعياً وسياسياً غير مسبوق في الاجتماع البشري، بما قد يغير البنى الاجتماعية والسياسية للمجتمعات كما يغير علاقات القوة والسلطة فيها عن الأنماط المعهودة.
ويرى بعضها أنه يجري حثيثاً التقدم من هذا الهدف خاصة في تلك المجتمعات التي عاشت خصومة تاريخية مع مشاركة قواها الاجتماعية. إزاء هذا الموقف البحثي تكتفي بعض التوجهات السياسية بمعادات هذا النوع من الإعلام دون محاولة فهم مجراه أو الوقوف على تجربته أو الحوار مع القوى القادرة على التعامل معه، رغم أن معظمها من شريحة الشباب التي لا غنى للمجتمعات عن طاقاتها وإبداعاتها وكسبها إن أرادت الاستمرار والاستقرار. أما الموقف اليومي البسيط داخل هذا الإعلام الجديد فيطرحه كمتنفس لتمثيل الإنسان العادي في أشواقه وطموحاته لأن يحلم ويعيش بسلام.
مقابل هذه المواقف نجد أن جيل الآباء والأمهات لا يتحرجون من الاعتراف؛ أنهم يتعلمون من الأبناء كيفية استخدام أوعية التواصل والتخاطب للدخول إلى عوالم جديدة عليهم، بل يذكرون ذلك بزهو واعتزاز. فمتى تتواضع الحكومات كشعوبها فلا تخجل من طلب المعونة والمشورة من شبابها للدخول إلى صلب العصر والتعامل بمرونة ودربة واستقلالية ومنعة مع المستجدات.
وأمام هذا التباين في المواقف يتردد سؤال: هل يجب القلق بالمجتمع السعودي من الإعلام الجديد وملاحقته باعتباره نقيض للإعلام السائد أم أنه ظاهرة عالمية ومحلية صحية يكون الموقف الموضوعي منها هو عدم صد منافذها لئلا تصير أصواتاً تحت الأرض قد تضر ككل الأشياء التي تحاك في الخفاء حين تحرم من العمل في الهواء الطلق.
على أن ما يدفعني للوقوف بهذا السؤال الذي لا يخلو من سطوة الإعلام السائد هو الأمل بأن لا ننقل إعاقاتنا الاجتماعية والسياسية إلى العالم الافتراضي بل أن نعمل على نقل أجنحة وإمكانيات العالم الافتراضي إلى واقعنا على الأرض علنا نشفى من تلك الإعاقات. وهذه ليست إلا محاولة للدفاع، دون أن يوكلني أحد سوى تعلقي المعتق بالحرية، عما لا يحصى من الإبداعات الشبابية التي صارت تفاجأنا والعالم بقدرة شباب هذه الأرض على تقديم صورة إيجابية عن المواطن السعودي عبر فضاءات الإنترنيت بأنواعها. وهي صورة سرها البسيط في أنها تنسف ذلك التصور الساذج عن المواطن السعودي الواقر في أذهان العالم عنا إن لم يكن في أذهاننا عن أنفسنا والذي لا تخرج صورته عن ثلاثة تصورات غارقة في الإجحاف:
«صورة السعودي المسرف على موائد السفر باعتبار «ما هان مدخاله هان مخراجه»، صورة السماع المطواع ليس من باب المواطنة المخلصة ولكن من باب الطاعة العمياء بما يجعله عالة على دولته لا يستطيع اللحاق بطموحاتها في التحضر والتنمية. صورة المتزمت الذي يريد أن يعمم رؤيته المغلقة على عموم العالم بالعنف. أما ما خرج عن تلك التصورات فهم المردة الخارجون على مجتمعهم».
فما هو عكس هذه الصور الظالمة التي يقدمنا بها إعلام الشباب البديل إلى العالم اليوم، كما يعيد بها بكل شجاعة وثقة وهذا الأهم إنتاج صور جديدة مشرفة لنا أمام أنفسنا وليس أمام الآخرين وحسب.
إنها صورة المواطنة المواطن اللذين تربطهما بوطنهما علاقة عشق واع وليست علاقة عالة وكلالة. وهي صورة تضم في إطارها العام عدة أطياف شباباً وشابات من مختلف الخلفيات الاجتماعية والمشارب الثقافية على أن ما يجمعها هو هذه العلاقة العشقية المنتجة بالبلاد.
وهي علاقة لا يتنكرون فيها للتمسك بالوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية للاستقرار السياسي ولكنهم لا يسرون فيها مسؤوليتهم في العمل على تعزيز الحس الوطني عن طريق تفعيل طاقاتهم الشابة للمشاركة الوطنية ومنها تقديم رؤى وحلول جديدة لإشكاليات الواقع القائمة مع التحلي ببصيرة نقدية تجاه أوجه القصور. وهم بذلك يعملون على تقديم بديل للتصور الأبوي والرعوي لعلاقة الدولة بالمجتمع.
نجد ذلك كمثال في العديد من المدونات الجادة والمواقع الشخصية وحملات التوعوية كما نجده على اليوتيوب بأشكال كوميدية أو درامية وكذلك في خانات التواصل الشهيرة كالفيسبوك وتويتر كما نجده في العديد من أفلام الشباب ومنتجاتهم الإلكترونية الأخرى؛ بل نجده في رسائل أس أم أس وبرودكاست البيبي. والكثير من تلك الأوعية يعكس موقفاً تفاعلياً مع المناسبات الوطنية والأحداث بما يكشف ويبلور وعياً يريد أن يرفع عن المواطن السعودي إهانة العيش على هامش المجريات الداخلية والخارجية. وليس يوتيوب عالطاير، لا يكثر، ملعوب علينا ووعد تتحدى وحملات التصدي للبطالة والفساد والتعصب والفقر والتدخين وزواج الصغيرات إلا أمثلة قليلة على ذلك المد الشبابي الجديد الذي ليس من المصلحة مصادرة حقه في التعبير والعمل إلا أن المصلحة كل المصلحة في جعل تجربته أحد ورش العمل للإصلاح الوطني وللنهوض بالوطن قيادة وشعباً. ولله الأمر من قبل ومن بعد.