ما يحدث اليوم في سوريا هو مشابه تماما لما حدث في ليبيا قبل أن يتدخل حلف الناتو، وربما كان لسان حال النظام السوري يقول: إن كان ما من بد من خسارة السلطة فلتكن إذن في أيدي الأجنبي وليس الشعب العاصي والمعاند، فهو أي الشعب كما وصفه العقيد المخلوع مجاميع من الجرذان، والنظام السوري اليوم وقد استمتع بمشاهدة التجربة حيّة وعلى الهواء مباشرة من ليبيا يصر على أن الوضع لديه مختلف، ويعتقد أنه سينتصر في النهاية على شعبه وسيخاطبه من مجلس الشعب مرة أخرى ليقول: أيها المواطنون الكرام أهنئكم بسحق كرامتكم، ثم يقف نواب مجلس الشعب ليصفقوا وبحرارة لبلاغة الزعيم وبعد نظره.
وفي اليونان حكمة تقول « الشعب والماء والنار قوى يصعب ترويضها « وإذا كان بعض قياداتنا العربية لا يفهمون ماذا يعني مصطلح شعب فهم بالتأكيد يعرفون ما هو الماء وما هي النار، فالماء أغرق اليابان المتقدمة تقنية وتنظيما ودقة ولم يستطيعوا في مواجهته سوى محاولات مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتكبدوا خسائر باهظة في الأرواح والممتلكات والأموال والاقتصاد ولا يزالون حتى اليوم يعانون من آثار تلك الكارثة، لكنهم أبدا لم يتوصلوا إلى فكرة تبليط البحر فهم عقلاء ويدركون حدود قدراتهم، كما أن النار كادت تشعل مفاعلات نووية في روسيا وأحرقت الأخضر واليابس ولم يصل التفكير الروسي إلى الاستغناء عن النار بالحرارة الكهربائية، وهم حتى لو رغبوا يدركون أن بعض الزعامات العربية لم تبقِ على شيء في مخازن الجنون للآخرين بكل أسف، وإلا أما كان يمكن للنظام السوري الذي كان يعتز ويفتخر بسياسته الخارجية ومواقفه الصلبة أمام إملاءات الغرب ومساوماته والتي حشدت له كثيرا من المؤيدين والمساندين من العرب والعجم أن يتعظ بالتجربة التونسية ثم المصرية وأخيرا وليس آخرا الليبية ؟ وبمثل هذا التكرار والتتابع في أن يسارع إلى إعادة تنظيم وترتيب سياسته الداخلية بأفعال تُشهد لا أقوال تتكرر ليحفظ لسوريا أمنها واستقرارها؟
على كل حال هناك مثل صيني يقول « حب المكاسب يحول الحكماء إلى بلهاء « وأظنه يصح فعلا بسطه على الثلاثة المخلوعين وتابعيهم ومن سار مسارهم، فالعظمة رغم أنها تنفخ الروح وتنفش الجسد إلا أنها أيضا تعمي البصيرة وتبلد الإحساس وتقتل الضمير، ولا يعبر عن هذه الصورة بأدق تصوير أكثر من صورة عقيد ليبيا المخلوع وهو اليوم يفر من جحر إلى جحر ومن زنقة إلى زنقة ومع ذلك يهدد ويتوعد لا أملا في الانتصار على شعبه ولكن لكسب مزيد من أيام الحياة حتى وإن كانت حياة المشرّد الملاحق المطارد، فلم يعد ملك الملوك وعميد الحكام العرب يجد من أصدقائه ومتسولي نفطه أحد مستعد حتى لو أراد على منحه اللجوء والأمان، وليس هذا الحال الذي وصل إليه عقيد ليبيا المخلوع مستغرباً إذا علمنا أنه وخلال اثنين وأربعين عاما قد حصد من المكاسب ما شاء الله له أن يحصد حتى بات يظن أنه صار في مقام أعلا من البشر ولم يعد يفرق بين الجرذان والإنسان.
وما دمنا نستشهد بالحكم والأمثال فهناك أخيراً حكمة صينية تقول « لا تقس عمق الماء بقزم « وقد يكون من الطبيعي والمنطقي أن لا نجد منافسا أو مشابها للعقيد الليبي المخلوع في هوسه وجنونه كي نطمئن أننا أمام حالة شاذة ونادرة، لكن المدهش والمذهل أننا نرى تكرارا للصورة في سوريا واليمن، وربما لتسارع الأحداث وتقارب تواريخها ندرك أننا أمام مسار معروف النهاية وبالتالي نجد العذر ولكن ماذا عن آخرين مازالوا يعيشون في تاريخ ما قبل الربيع العربي ؟ هل اختلطت الفصول أيضا ؟
يبدو لي أننا كأمة عربية ندخل تاريخا جديدا وقد بدأ يتشكل ويتبلور، وإن كنا نرى ونتابع بعض اهتزازاته وارتجاجاته إلا أن هذا يعتبر من الأمور الطبيعية التي تصاحب كل تغيير وبالتالي لا تزعزع الثقة والإيمان بالغد المشرق بإذن الله، ولم يعد لنا إلا أمنية عزيزة وغالية وهي أن تكتفي هذه الأمة الأصيلة بما أهدر من أرواح ودماء وما استنزف من موارد وثروات في هذه الدول العربية الخمس لتنتقل باقي الدول العربية بأمن واستقرار إلى الغد المشرق الذي يليق بهذه الأمة.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni