في بعض الأحيان، ككاتب تقتنص من بعض العبارات التي يكتبها الغير، أو يلقيها في عابر حديثه، عن شخصية، أو موقف، أو حدث، أو ظاهرة، تقتنص منها ما يشكِّل مقالا، أو مشروع كتاب.
كثيرون تناولوا شخصية الأمير (نايف)، في سماته، وفي صفاته، والقليل منهم تناول مواقفه في الإدارة، أو الدقائق منها، كشخصية أمضت جلّ حياتها في هذه المهنة، ومن أولئك النفر القلة معالي الشيخ (سليمان الفالح) مستشار سموه، بطبيعة الحال نظر إلى زاوية من أهم الزوايا غفل عنها الكثير ألا وهي (التأني، والتروي، والاستقصاء، ودقة الملاحظة)، وقد جلا ذلك في أكثر من قضية، أو معاملة، أو تقارير واقعية كان معالي (الشيخ) طرفا فيها بشكل، أو آخر.
في علم الإدارة الحديث وأدبياتها، نبالغ كثيرا في تناول أنواعها وأنماطها، في التخطيط والتنظيم، وربما أمضينا السنوات، ونحن نؤطر النظريات، ولا عيب في ذلك على الإطلاق، لكننا في المقابل نهمل، أو لا نولي علاقة المسؤول بالجمهور، أو وقوفه المتأني على المشكلات وتحليلها، وأساليب حلها، أو الوقوف على مسبباتها. بأسلوب غير مباشر يلامس معاليه فن التفويض، أو حجة تخويل الصلاحيات، ويلفت القارئ أن الأمير (نايف) يقف على بعض دقائق الحوادث والأحداث، ويعي بأسلوبه الخاص ما يدور في مؤسسته.
طول الصحبة والملازمة لبعض الشخصيات تفرض على الإنسان استخلاص التجارب الحياتية للغير، وطرحها للأجيال الناشئة، كي يستفيدوا منها، ويوظفوها لما يعنّ لهم من مواقف مشابهة، وعلى امتداد (خمسين) عاما أمضاها الشيخ في صحبة سموه، باعتقادي أنه بفطنته المعهودة، وعلميّته المنظمة، وتفكيره المركز دوّن العديد من المواقف، ورصد بعض الظواهر في إدارة (ولي العهد) لشؤون وزارته، أو لهذه الدولة بشكل عام، بوصفه أحد أركانها، وبناة نهضتها. ربما يأتي اليوم، ولعله يكون قريباً، يستقطع معاليه جزءاً من وقته الثمين، لبسط شيء من سيرة الأمير (الحكيم، الحليم، الحازم)، أعني سيرته الإدارية، بكل جرأة، وبدون تحفظ، فالحياة مواقف، وقد تجد من القراء من يتعلق بموقف، قد يراه البعض عاديا، لكنك تجد من يبني عليه منهاج حياته، سواء كان مسئولاً كبيراً، أو صغيراً.
مشروع كهذا عمل شاق بلا شك، لكنه أمانة في عنق مستشار، ويحتاج إلى العديد من الأدوات، وقوة الاستحضار للمواقف، وتحليله للقارئ، واستخلاص العبرة والعظة والفائدة من ذلك، وتناولٌ بهذه الصورة لن يستعصي على شخصية أحسبها أحد الموسوعات على مستوى مجايليه.
من عيوبنا في الحياة، أو في الإدارة أننا لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون في تجاربهم، بل نجد الإنسان، وبخاصة المسئول يحاول أن يختطّ منهجا لنفسه في سلوكه الإداري، والضحية ليس هو فحسب، حين يكبو برأيه، أو بتصرفه، أو بقيادته، بل المؤسسة التي ينتمي إليها، والمجتمع الذي يعيش في وسطه.
dr_alawees@hotmail.com