تعيش بلادنا في هذه الحقبة ازدهاراً لم يسبق أن مر عليها في تاريخها، وبحمد الله وفضله جنت ثرواتٍ تجاوزت كل السنين الماضية، يرافقها نهضةٌ علميةٌ عبر زيادة أعداد الخريجين من الجامعات.

ومع اجتماع العناصر الثلاث التي يعتمد عليها نجاح الاستثمار وهي القدرة المالية والمعرفة واحتياج الأسواق فإن من الواجب إعادة رسم خارطة التفكير لأفق أوسع ولمشاريع تنمويةٍ جبارة تنهض باقتصاد الوطن وتنوع مصادر الدخل القومي وتوظف طاقات أبنائه فيما يعود عليهم بالنفع وعلى وطنهم بالازدهار والتقدم.

وإنه من المعلوم بالاقتصاد بالضرورة أن الصناعات تتعلق بالبترول جملةً وتفصيلاً وأن ما نصدره للخارج يعاد تصنيعه ليعود علينابقيمةٍ أعلى، فالمواد الأساسية المشتقة من البترول تذهب إلى الدول المصنعة ليتم التصنيع على شكل منتجٍ يمكننا صناعته وفي حال استطعنا تصنيعه دون الحاجة للغير فسيكون قيمة مضافة لصناعتنا ونوفر مبالغ ضخمة ويقل الارتباط والاعتماد على تلك الدول، وسنحرك العالم من خلال صناعتنا.

وفي تجربة دولتنا الغالية في شركاتها نجاحٌ واضحٌ لايكاد يختلف عليه اثنان فلقد أصبحت بعد سنين قليلةٍ من تأسيس بعض الشركات الصناعية من أكبر الشركات المتخصصة في مجالها ووظفت عشرات الآلاف من الشباب، وأوجدت آلاف الفرص للاستثمارات الضمنية.

ومع ما تزخر به خزينة المملكة وأرصدة المستثمرين من أموال، فإن من الواجب أن تتكرر تلك التجربة عشرات المرات في خطةٍ إستراتيجية مدروسةٍ يكون هدفها أن تحتل المملكة المركز الأول عالمياً في الصناعات الأساسية، ومن ثم الصناعات الثانوية، والتي ستتحرك بتحركهما جميع القطاعات الأخرى.

لن أروي لكم تجربة اليابان لأن القارئ يرى أن من الهذيان التفكير بالوصول إلى ماوصلت إلا أن سنغافورا على -سبيل المثال - مدرسة جديدة تحولت أحلامها إلى واقعٍ فرض احترامه على العالم فبعد أن كانت دولة مهمشة من دول العالم الثالث، أصبحت من الدول المتقدمة بعين العالم في الكثير من الجوانب واحتلت وزناً ثقيلا على مستوى العالم فقط في خلال 25 سنة! إنها ليست معجزة.. فقط همة عالية وتخطيط من أجل البقاء... أنصح بقراءة كتاب (من العالم الثالث إلى العالم الأول) للكاتب (لي كوان يو).

ومع تدهور الأسواق العالمية واضطراب الأوضاع السياسية، أصبح التوقيت مناسباً جداً لتحويل استثمارات الدولة للداخل بدلاً من الخارج الذي يجمع المحللون على ضبابيته.

وبرأيي أن المملكة تمتلك مقوماتٍ أكبر بمراحل من بعض الدول التي لها السبق في المجال الصناعي فالموقع الجغرافي ومخزون النفط والبعد عن مناطق الاضطرابات الجيولوجية يجعل المملكة – من حيث المنظور العام- مهيأةً بشكلٍ أكبر لاستقطاب الصناعات، ولكن ماذا ينقصنا؟

خطة إستراتيجية واضحة، ضخ الأموال الاستثمارية من خزائن الدولة والمستثمرين، الأهم ألانلتفت لإنجازاتنا السابقة فقد شيدها أجيال قبلنا ونحن ننعم بفضل الله ثم بفضل جهودهم و تخطيطهم.. ولابد أن نرسم لأجيالنا مشاريع تجعل دولتنا لا تعتمد على البترول خصوصاً أن النمو السكاني سريع وعالٍ مقارنة مع دول العالم.

أظن بعدها أننا سنستطيع إنشاء أكثر من يابان فوق أراضي الصحراء القاحلة، وستنعم أجيالنا بالأمان الاقتصادي رغم الهزات الاقتصادية العالمية.