|
الجزيرة - الرياض :
استطاعت قوات الدفاع المدني خلال موسم الحج هذا العام أن تستبق كل خطر قد يهدد سلامة ضيوف الرحمن بعون من الله وأن تتخذ من الإجراءات الوقائية ما يحد من هذه المخاطر ويحجمها, وأن تواجه ما قد يقع منها, بدرجة عالية من الكفاءة وسرعة الاستجابة.
ويرجع نجاحه خطة تدابير الدفاع المدني لمواجهة الطوارئ في حج هذا العام والذي خلاً من أيّ حوادث كبيرة أو مؤثرة, إلى القدرة الفائقة لرجال الدفاع المدني على توقع كافة المخاطر المحتملة عبر عمليات الرصد والتحليل, ودراسة تجارب مواجهة الطوارئ في مواسم الحج الماضية, واستيعاب كافة المستجدات والمتغيرات في مناخ العاصمة المقدسة والمشاعر, وطبيعتها الجغرافية, وكذلك المشروعات الجديدة التي نفذتها الدولة لخدمة ضيوف الرحمن, بالإضافة إلى سلوكيات الحجاج والتي تختلف باختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية والاجتماعية وتقاليد الدول والمجتمعات التي ينتمون إليها.
وعبر هذه الدراسات في رصد وتحليل كافة المخاطر المحتملة في الحج أمكن تحديد 12 خطراً افتراضياً تضمها الخطة العامة لتدابير الدفاع المدني تبدأ باحتمالات سقوط الأمطار الغزيرة أو تكون السيول في منطقة المشاعر والعاصمة المقدسة, مروراً بالهزات الأرضية والانهيارات الصخرية في المناطق الجبلية, وصولاً إلى مخاطر الزحام الذي ينتج عن اجتماع ملايين الحجاج في أماكن محدودة وفي أوقات بعينها لأداء مناسك الحج, أو حدوث كل ما يعطل سير الحياة الطبيعية خلال أعمال الحج.
قائمة المخاطر الافتراضية
ولأن معرفة الخطر وتحديد موقعه تمثل أولى الخطوات الضرورية للوقاية منه أو امتلاك قدرة التعامل معه, ساهم هذا التحديد الدقيق لقائمة المخاطر الافتراضية المحتملة في الحج, في بناء مجموعة من الخطط التفصيلية للتعامل مع كل منها بما يتناسب مع طبيعة الخطر وحجمه والآثار الناجمة عنه, كذلك تحديد القوى البشرية والآلية لمواجهته, وعلى ضوء ذلك تم اختيار ما يقرب من 22 ألف من رجال الدفاع المدني من الضباط والأفراد لتنفيذ خطة تدابير الطوارئ في الحج, يدعمهم ما يقرب من 6000 آلية ومعدة.
وانطلاقاً من قناعة بأن الإنسان أو رجل الدفاع المدني هو العنصر الأهم في منظومة الدفاع المدني, كما أكد ذلك مراراً مدير عام الدفاع المدني الفريق سعد بن عبدالله التويجري, بدا واضحاً أن اختيار الرجال العاملين في مهمة الحج يتم وفق مجموعة من المعايير الدقيقة ذات الصلة بالخبرة العلمية والميدانية وبما يتناسب مع نوعية المخاطر التي تم رصدها, وتحقيق أفضل استفادة من الخبرات الهائلة التي يزخر بها جهاز الدفاع المدني من القيادات وحتى الأفراد العاملين في الوحدات الميدانية وبما يدعم نقل الخبرات من القيادات إلى الضباط الشباب.
تنشيط العناصر وتأهيلها
ولم يقتصر استعداد قوات الدفاع المدني في الحج لاستباق المخاطر قبل حدوثها وتضرر ضيوف الرحمن منها على اختيار أفضل العناصر لتنفيذ تدابير مواجهة الطوارئ, بل امتد إلى تنشيط هذه العناصر وتأهيلها للتعامل مع المخاطر الافتراضية في الحج, والتي تختلف في طبيعتها عن المهام التي اعتاد رجال الدفاع المدني على مواجهتها في مواقع عملهم المختلفة فكان تنفيذ عدد كبير من البرامج والدورات التدريبية التخصصية للمشاركين في مهمة الحج في مراكز ومعاهد تدريب الدفاع المدني وباستخدام أحدث أنظمة التدريب النظري والتطبيقي.
وامتدت هذه البرامج بعد مباشرة قوات الدفاع المدني لمهامها في العاصمة المقدسة والمشاعر من خلال تنفيذ عدد كبير من الفرضيات لمنح رجال الدفاع المدني جرعات مكثفة للوصول لأعلى درجات الجاهزية للتعامل مع المخاطر المحتملة في الحج.
وفي الإطار ذاته كان الحرص على توفير أرقى مستلزمات الحماية الشخصية لرجال الدفاع المدني بما يوفر لهم أعلى درجات السلامة والأمان أثناء مباشرة مهامهم, وكذلك توفير بيئة العمل الملائمة التي تدعم قدرتهم على أداء المهام المنوطة بهم من خدمات الإسكان والإعاشة والتنقلات.
ونظراً لأهمية المعدات والآليات في عمل الدفاع المدني كان أيضاً التدقيق في نوعية المعدات المخصصة للعمل خلال موسم الحج بما يتناسب مع نوعية المخاطر المرصودة سلفاً وتوفير كل المعدات التي تساعد رجال الدفاع المدني على أداء مهامهم بأعلى درجات الكفاءة والفاعلية.
منظومة الأداء المتميز
وشاهد الجميع من خلال استعراض استعدادات الجهات المشاركة في أعمال الحج والذي شرفه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد, نائب رئيس مجلس الوزراء, وزير الداخلية, التطور الكبير في آليات الدفاع المدني والتي ضمت معدات شاركت في أعمال الحج هذا العام لأول مرة, ومعدات تم تصنيعها خصيصاً للدفاع المدني السعودي من قبل شركات عالمية منها سيارتين لرصد التسرب الإشعاعي وسيارات مزدوجة الاستخدام لأعمال الإطفاء والإنقاذ, بالإضافة إلى سيارات السلالم والسنوركل, التي يصل ارتفاع بعضها إلى ما يزيد عن 60 متراً وأبراج الإضاءة المحمولة.
وتواصلت منظومة الأداء المتميز للدفاع المدني في الحج واستباقها للمخاطر وجاهزيتها لمواجهتها باستخدام أحدث تطبيقات ثورة الاتصالات والمعلومات لضمان سلامة ضيوف الرحمن بدء من أنظمة تحديد موقع المتصل آلياً والذي اختصر زمن تلقي البلاغات عن الحوادث إلى أقل من 3 ثوانٍ ونظام المعلومات الجغرافية والذي يتيح إمكانات هائلة في رصد مواقع الحوادث وتحديد أفضل طرق الوصول إليها, واستخدام الهواتف الذكية والحواسب المحمولة في رصد المخاطر ونقل معلومات تفصيلية عنها إلى عمليات الدفاع المدني, وكذلك ربط المنشآت الحيوية والإستراتيجية بالعاصمة المقدسة آلياً بعمليات الدفاع المدني, لاستشعار أيّ حوادث قد تقع في هذه المنشآت فور حدوثها, بخلاف إيجاد عدة بدائل لطرق الاتصال السلكية واللاسلكية المستخدمة في إدارة العمليات الميدانية.
تحديث خارطة الانتشار
وفي إطار العمل الميداني على الأرض استبقت قوات الدفاع المدني المخاطر من خلال تحديث خارطة انتشارها ومواقع تمركزها بما يحقق لها أكبر إمكانات للتدخل السريع في حالات الحوادث, وكذلك إمكانية تنفيذ متوالية متصلة للإسناد والدعم بين وحدات الدفاع المدني المشاركة في أعمال الحج في المشاعر المقدسة.
بالإضافة إلى نشر عدد كبير من فرق ووحدات الإشراف الوقائي دوريات السلامة لإجراء مسح شامل لكافة المواقع التي يرتادها الحجاج أثناء أداء مناسك الحج والتي تشمل المساكن والمخيمات وشبكات الطرق والأنفاق والمراكز التجارية والمطاعم وغيرها, ورصد أيّ مخالفات لاشتراطات السلامة بها والعمل على إزالتها وفق الإجراءات النظامية المتبعة.
أهمية تنسيق الجهود
وقد راعت خطة تدابير الدفاع المدني في الحجّ وسعيها إلى استباق المخاطر أهمية التعاون وتنسيق الجهود بين كافة الجهات المعنية بتنفيذ الخطة من خلال آليات واضحة, بدء من شركات الحج ومؤسسات الطوافة لتعزيز التزامها باشتراطات السلامة في مساكن ومخيمات وسيارات نقل الحجاج, وصولاً إلى كافة الجهات الحكومية والوزارات المعنية بخدمة الحجيج مثل وزارة الصحة والحج والمالية, والشئون البلدية والقروية والهلال الأحمر السعودي والأمن العام والأرصاد الجوية.
وامتدت جهود الدفاع المدني إلى الحجاج أنفسهم باعتبارهم شركاء ومسؤولين عن السلامة في الحجّ من خلال التزامهم بإرشادات وتعليمات رجال الدفاع المدني وتنوعت سبل تحقيق هذا الهدف من خلال عدد كبير من الأنشطة التوعوية الوقائية, مثل الأفلام التوعوية وملايين المطبوعات التي تم توزيعها على الحجاج قبل وصولهم للمملكة عبر سفارات حكومة خادم الحرمين الشريفين, وعلى متن الرحلات الجوية التي تقل الحجاج من بلدانهم, وباستخدام رسائل «SMS» بعد وصول الحجاج إلى المملكة والشاشات النقطية واللوحات الإرشادية الضخمة التي تم تركيبها في محيط الحرم الشريف, وعدة مناطق متفرقة بالعاصمة المقدسة والمشاعر.