حمود الميمون شاب في الثالثة والعشرين من عمره، يعمل ضمن فريق ساهر، لقي مصرعه الأسبوع الماضي داخل سيارة نظام مراقبة المرور (ساهر) بعد أن فتح عليه أحد المجرمين النار من سلاحه الرشاش، فأرداه قتيلا، وانفجر خزان الوقود واحتراق كامل السيارة وتفحمت جثته رحمه الله. الخبر مفجع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويحمل مؤشرات خطيرة؛ فهذه - أولاً - جريمة مكتملة الأركان، راح ضحيتها شاب في عمر الزهور، ذنبه أنه كان يعمل على ضبط وتنظيم المجتمع، لينتقل من مجتمع الفوضى، وعدم الانضباط والاكتراث بالأنظمة والقوانين، إلى المجتمع المنضبط المتحضر، الذي يحترم الأنظمة، ويتعامل معها تعامل أي إنسان متمدن مع الأنظمة في بلده، كما هو الأمر في كل بلاد الدنيا.. المجرم هو بلا شك إنسان همجي، حقير، تعود على عدم الانضباط، ويريد أن يفرض عدم الانضباط على المجتمع بقوة السلاح، ليعيش فوضوياً كما كان الأمر قبل تطبيق ساهر. وأتمنى من كل قلبي أن تصل إليه يد العدالة، وينال جزاءه الذي يُشفي قلوب أهل الشهيد - رحمه الله - أولاً، وقلوبنا جميعاً، ونحن نرى أن هذه الهمجية القميئة أصبح لها من يذود عنها، ويسعى إلى فرضها بقوة السلاح.
والسؤال: لماذا وصلنا إلى درجة أن يُعتبر من يعمل على انضباط المجتمع مرورياً وتنظيمه وحمايته من التهور والمتهورين إنساناً معرضاً للقتل والاغتيال؟
أعتقد أن هناك جواً من الامتعاض والتذمر على نظام ساهر كرسه كثير من كتاب الصحف ورسامو الكاريكاتير، وخلفهم بعض الوعاظ الذين أدخلوه إلى دائرة (الحلال والحرام) كالعادة؛ هذه الأجواء جعلت التذمر من (ساهر) لها روادها ومروجوها ممن هم، أو يفترض أن يكونوا - للأسف - نخبة المجتمع. حتى يقال إن خطيب جمعة قد دعا على نظام ساهر من على منبره، وطلب من المصلين أن يؤمنوا على دعائه. وواعظ آخر (مشهور إعلامياً) عندما وصلت المخالفات التي اقترفها (فضيلته) وأبناء فضيلته، وسائق فضيلته، مبلغاً يقال إنه تجاوز العشرين ألف ريال صرح قائلاً: إن هذه الغرامات لا يقرها الشرع ولا العرف (كذا). رغم أن هذا الواعظ تحديداً يعيش جزءاً من وقته في دبي، وهناك لا يجرؤ على أن يتخطى أنظمة مرورهم، وإلا وجد أن (الأجر) الذي يتقاضاه فضيلته لقاء وعظه في فضائيتهم التلفزيونية، قد أعاده إلى حكومتهم نتيجة لهذه المخالفات.
وأنا هنا لا أعترض على أن تنتقد خدمة من خدمات الدولة، إلا أن إدخالها إلى نطاق الحرام والحلال، والارتقاء بها إلى درجة كونها مخالفة شرعية، لا يقرها الشرع ولا العرف، أشاع هذا الجو، الذي تقف وراءه مثل هذه الفتاوى التي لا علاقة لها بالعصر، ولا (دولة الأنظمة والقوانين) التي نطمح إليها، قدر علاقتها بمجتمع بدائي همجي متخلف، لا يقبل أن يرضخ لقانون، ولا يحترم نظاماً.
إن الأرقام التي لا تكذب تؤكد أن نظام ساهر أنقذ أرواحاً من الموت، وأجساداً من العجز، وأطفالاً من اليتم، غير أن هذه الأرقام والإحصاءات لا تهم هؤلاء المتخلفون، طالما أنها تمس جيوبهم، وتضبط فوضويتهم، وتجبرهم - رغماً عن أنوفهم - على الانضباط بالقوانين.
أسأل الله جلت قدرته أن يتغمد فقيدنا الشاب برحمته ورضوانه، وأن يُمكن قوى الأمن من القبض على هذا المجرم، وأن يتعلم وعاظنا أن التحريض على الأنظمة، وإدخالها في الحلال والحرام، ربما تجنح بالبعض عن الطريق السوي، فتنتج مثل هؤلاء المجرمين القتلة.
إلى اللقاء.