هنا.. في قصر الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز.. كل شيء يبكي رحيله.. قصره يغص بالمعزين على الرغم من أنني ذهبت في آخر أيام العزاء خشية الزحام.. ولكن الناس لديها استعداد للزحام أياماً أُخر.. في قصر سلطان.. في قصر سلطان لم يقتصر العزاء على طبقةٍ من الناس.. ويمين الله إنني رأيت أشكالاً وألواناً من البشر كلهم جاءوا يعزون بنات سلطان.. في قصر سلطان أناس جاءوا وهم ممن ثكلوا ودق العوز أعناق سعادتهم وامتدت إليهم يد سلطان في ليلة ظلماء يُفتقد فيها البدر وانتشلتهم من جحيم الحزن.
يا الله ياسلطان، والله إن في القلوب للجة ًيسمع صوتها كل من يشاركنا حزنك.. ويسدل دمعها كل من آلمهُ فقدك.. وكل تفاصيلك وعلاماتك تمنحنا علماً يقيناً بشخصيتك وقدراتك.. آتاك الله الملك والجاه والمال وبسطت يدك وازدت تواضعاً... وابتلاك بالمرض فزادك صبراً واحتساباً ويقيناً.. ولا أزكيك ياسلطان إنني فقط أتتبع سيرتك التي أذهلتني وقلت حينها إنني أتحدى أي أبجدية على وجه العالم أن تتمكن من وصف سلطان كما هو على حقيقته.
هذا الكيان العظيم يحمل بين جنبيه قلبٌ يتسع للعالم بأسره وتلتف حول عنقه أيدي طفل معاق يهمس في أذنه.. أحبك يا بابا سلطان.. لتأتي نبرة سلطان مفعمة بالحب والصدق والرحمة.. وأنا أحبك.. أي قلب هذا الذي يربت على القلوب وينتزع منها الأسى والشعور بالعوز ويقيل عثرات المساكين.... لماذا يا سلطان يأتون الأطفال إليك سعياً.. لماذا يرتمون في احضانك بهذا العمق.. لماذا يتسللون بأيديهم على وجهك ويتلمسون ملامحك ويعبرون عن حبهم لك.. هكذا بكل صدق.. أي أنفاس أبوية تلك التي يزفر بها صدرك وتحتويهم وأنت تتلمس حاجاتهم..!!
من لم يشاهد سلطان بعد عودته من رحلته العلاجية الأخيرة فقد فاته مشهداً من أجمل المشاهد الإنسانية العظيمة.. رجل بهامة سلطان يأتي من رحلة علاجية.. أنهكه التعب.. وأخذ منه ما أخذ.. يرفض أن يلج بيته قبل أن يزور المصابين العسكريين ويقبل رؤوسهم واحداً تلو الآخر، رأيت بأم عيني كيف كان المصابون يقاومون قبلتك على رؤوسهم حياءً, من مثلك لا ينحني إلاّ تواضعاً.. وقد تواضعت.
آه ياسلطان.. احتارت يدي التي تصافح بناتك عدداً, هل أواسيهن برحيلك أم إننا مشتركون في المصاب.. نعم مصابٌ جلل.. كلنا نستحق العزاء في سلطان فقد انتزعته يد المنون من أعماقنا..
رحل سلطان.. هذا الرجل الذي يحمل في سيرته مملكةً إنسانية وجمعيات خيرية.. وعالم ممزوج بحب الخير ويدُ بيضاء تمتد من قطرها لقطرها «تمنح» وتطبطب «وتربت» وتعطي.. وتمسح وتضيء سماوات وأراضين.
لك الجنة -إن شاء الله- يا سلطان «نعيمُها ونعيمها» فردوسها «ماءها» وحريرها «عسلها» وخمرها» ولبنها «لك السندس الخضر» وكل مالم تراه العين أو تسمع به الأذن» لك الدعوات الصادقات تخرج مع زفيرها وقلبُ أنهكه الفقد، ولك أيدٍ مبسوطات كل البسط.. نسأل الله لك نعيماً لا يبلى «وجنة عرضها السموات والأرض» وغرفُ من فوقها غرف مبنية.. تجري من تحتها الأنهار.. لك التاريخ كلما تحدث عنك قلنا: آمين...
فوزية ناصر النعيم - عنيزة