|
اتجهت أنظار العالم خلال الأيام المباركة في حج هذا العام إلى أشرف بقاع الأرض مكة المكرمة، ومنطقة المشاعر المقدسة، التي استقبلت الأعداد المتزايدة والقادمة من كل فج عميق من شتى أنحاء المعمورة لأداء شعيرة الحج.
ولعل استعدادات المملكة العربية السعودية هذا العام تختلف عن سابقتها في الأعوام الماضية، حيث تقوم بقيادة مليكها المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - بتنفيذ عدة مشاريع تطويرية عملاقة في خدمة ضيوف الرحمن، ومنها مشروع أكبر توسعة في التاريخ للحرم المكي الشريف، ومشروع توسعة المسعى بين الصفا والمروة، ومشروع جسر الجمرات الذي يعد إنجازاً استثنائياً لإدارة الحشود وتفادي الصعوبات والحوادث، إلى جانب مشروع قطار المشاعر المقدسة الذي جاء كأحد أبرز الحلول العصرية لمشكلة الازدحام، حيث يربط مناطق: (منى ومزدلفة وعرفات) بخط سكك حديدية طوله حوالي (18) كيلو متراً يتخللها تسع محطات بواقع ثلاث في كل مشعر.
وقد ظهر أثر قطار المشاعر الإيجابي في الحركة المرورية بشكل لافت أثناء تفويج الحجاج، حيث نقل نصف مليون حاج خلال ست ساعات فقط من عرفات إلى مزدلفة مما يجعل منها أضخم عمليات التفويج في العالم، ومما يسهم في عزل قرابة (30) ألف سيارة ومركبة، وأدى ذلك إلى تخفيف الضغط المروري على الطرق في أنحاء المشاعر، وقد تم وضع مرشدين ومتابعين لتنظيم عملية الركوب والنزول من القطار، بالإضافة إلى إشراك مجموعة من السعوديين المجيدين لعدة لغات ضمن المشروع بغية الاستفادة منهم في إرشاد الحجيج، وتوجيههم داخل المحطات.
وقد عملت القطارات البالغ عددها عشرين قطاراً هذا العام بكامل طاقتها،حيث يضم كل قطارعلى (12) عربة، وحمولة كل عربة (250) حاجاً، مما يصل بالطاقة الاستيعابية للقطار الواحد إلى (3000) حاج، وقد روعي في كل عربة وجود أماكن مخصصة لجلوس كبار السن والنساء.
ومع بروز أهمية قطار المشاعر في رفع مستوى الراحة والأمان أثناء عملية التنقل بين المشاعر, واستناداً على نجاح تجربة العام الماضي وهذا العام، نأمل أن يتم دراسة إمكانية الاستفادة من هذا العدد الكبير من القطارات ليكون في خدمة الحجاج والمعتمرين على مدار العام وليس أيام الحج فقط، وذلك بمد هذه السكك الحديدية إلى مدينة جدة وأماكن المواقيت، كما يمكن ربطها بخط السكك الحديدية الجاري إنشاؤها بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ليستفيد منها الحجاج والمعتمرون على السواء، ولتسهم في تخفيف الضغط على شبكة الطرق البرية.
ولا شك أن المملكة لن تدخر جهداً ولا وسعاً في تحقيق هذا المشروع الذي سيربط مكة المكرمة بجدة والمواقيت والمدينة المنورة في شبكة واحدة، ولا سيما أيضاً لو تم ربط تلك الشبكة بشبكة السكك الحديدية المزمع إنشاؤها - بمشيئة الله - بين شرق المملكة وغربها، وسوف يسهم ذلك - بعون الله وتوفيقه - في المنظومة العظيمة التي تسعى المملكة إلى تحقيقها في هذا العهد الزاهر من أجل توفير كافة الخدمات الحديثة والمتطورة لضيوف الرحمن، منذ وصولهم إلى أرض المملكة، وحتى مغادرتهم إلى بلادهم سالمين غانمين.
م. سيف الدين عبد الله بخاري - مكة المكرمة