Wednesday 09/11/2011/2011 Issue 14286

 14286 الاربعاء 13 ذو الحجة 1432 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

قال معالي وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بتاريخ 4-11-2011م في إحدى المقابلات الصحفية ما معناه أن التغييرات في البلدان العربية أصبحت حتمية، لكن الأفضل أن يكون التغيير سلمياً باقتناع السلطات أولاً وأن الوقت قد حان للخروج من ضيق السلطة الوطنية إلى رحابة المجتمع الذي هو أساس التطور. قال معالي الوزير أيضاً في نفس المقابلة إن التدخل الغربي مرفوض بإجماع الدول العربية ولكن لا يمكن لأحد أن يمنع شيئاً في عالم اليوم، وأمريكا غزت العراق ولم يستطع أحد أن يوقفها أو يحاسبها أو يتخذ أي إجراء.

إذن التغييرات في البلدان العربية أصبحت حتمية، هذا ما قاله وزير الخارجية العماني المخضرم جداً. كلنا نعرف أنه من الطبيعي حدوث التغييرات في البلدان العربية بحتمية كبيرة، فتلك نبوءة ظرفية لا تحتاج إلى نبي، لأن بوادرها قد طرقت عدة أبواب ودخلت عدة بيوت دون استئذان. لكن الحلاوة في تصريح معالي الوزير هي قوله أيضاً إنه من الأفضل حدوث التغيير سلمياً باقتناع السلطات أولاً. هذا كلام سليم وصحيح جداً، هذا هو المطلوب والأفضل، لكن لماذا لا ولم يحصل التغيير بالأسلوب المطلوب والأفضل وإنما بالأسوأ والمرفوض، خصوصاً في الحيز الجغرافي العربي الممتد من المشرق إلى المغرب؟. يحصل ذلك بكل بساطة لأن أنظمة الحكم العربية تراثية سلفية التفكير في مفاهيمها السياسية وفنون إدارة شؤون البلاد. لا فرق على الإطلاق في الفكر السياسي وفنون تدبير شؤون البلاد والعباد بين أي حاكم عربي معاصر وبين أي خليفة أموي أو عباسي أو مملوكي أو عثماني من العصور البائدة. عبر القرون وحتى اليوم حَكَمَت وحُكِمت العقلية العربية بمفهوم تجميع كل السلطات في يد حديدية واحدة والضرب بتلك اليد الحديدية على ظهر كل من يطرح التساؤلات عن مدى خطورة ذلك التجميع على الحصانة الاجتماعية والتضامن الوطني. هذا الواقع بهذه الشروط أدى دائماً إلى وضع تكون فيه الدولة هي الحكومة والحكومة هي الدولة والمحكوم مغيب تماماً عن المشاركة، رغم أنه في النهاية هو الذي سوف يتحمل نتائج كل القرارات والعواقب بخيرها القليل وشرها الكثير.

وصلنا الآن بطريقة منطقية إلى النظر في النقطة الثانية التي صرح بها معالي وزير الخارجية العماني، وهي أن التدخل الغربي مرفوض بالإجماع العربي ولكن لا أحد يستطيع منعه مثل ما حدث في العراق، وليت معالي الوزير ذكر أيضاً ما حدث في ليبيا، ولا أدري لماذا تجاهله رغم ما يحمله من رسائل بالغة السوء والقبح لمن يقاوم حتمية التغيير بالوسائل القمعية.

مخالفاً لرأي معالي الوزير العماني، أؤكد أن التدخل الغربي لم يكن للأسف مرفوضاً بالإجماع العربي، لأنه تم بتواطؤ عدة مجموعات سياسية عراقية مع الغرب، وتحديداً مع أمريكا وبريطانيا، كما تم أيضاً بسكوت مريب من قبل الأنظمة العربية، أي أنه لم يكن هناك حقيقة إجماع عربي على رفض التدخل الغربي في العراق، بل إجماع عربي على السكوت عنه.

في ليبيا حصل التدخل الغربي أيضاً بموجب اتفاق أو طلب أو ليسمه معالي الوزير بما شاء، بين قيادات الثوار على نظام القذافي وبين الدول الأوروبية بمشاركة بعض الدول العربية الهامشية (حقيقة وواقعاً وليس إعلامياً)، ومرة أخرى بإجماع عربي على السكوت من قبل أنظمة الحكم العربية تماماً مثل ما حصل في العراق.

باختصار.. تململ وتبرم الشعوب العربية من أوضاعها بدأ منذ عقود طويلة، ومحاولات التغيير بدأت بالانقلابات العسكرية الدموية وبتبني إيديولوجيات مستوردة لأهداف التحالف وتقوية الظهر، أو بانتشار الفصائل ذات الفكر الإرهابي التكفيري المعادي للإنسانية بمفاهيمها الشرعية الشمولية. كل ذلك لم يؤد سوى إلى نتائج وخيمة واعتقالات وإعدامات وإهدار الوقت والثروات.

للأسف، بل ولشديد الأسف يبدو أن محاولات التغيير بدأت تنتقل إلى مراحل الثقوب السوداء، أي مراحل التحالفات غير محسوبة النتائج بين التحركات الشعبية الشاملة مع القوى الاستعمارية التقليدية ذات الإمكانيات والأطماع الهائلة مثل الثقوب السوداء.

لذلك لا بد من سؤال كبير جداً: لماذا ومن المسؤول عن إدخال محاولات التغيير في الأوضاع العربية إلى هذه المراحل اليائسة، هل هي الشعوب المحكومة بالحديد والنار، أم الأنظمة التي تحكمها بالحديد والنور؟.

 

إلى الأمام
تغييرات حتمية وتحالفات مجهولة النهايات
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفجوال الجزيرةالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة