دار نقاش طويل بيني وبين أحد المدافعين عن هيئة الإستثمار ووصف مقالي (هيئة الإستثمار... شكراً جزيلاً) بالقاسي نوعاً ما، بعد أن حاول جاهداً أن يثبت مدى ما قدمته تلك المنطومة على صعيد إعلاء اسم المملكة
في سلم أو ترتيب الدول الأكثر جذباً للإستثمار وأيضاً عن المدن الصناعية التي أقامتها هنا وهناك، بيد أن أخونا لم يجب على تساؤلاتي المشروعة التي طرحتها في ذلك المقال ومنها مطالبتي الهيئة بالإعلان ليس عن حجم الاستثمار بل عن عدد المستثمرين وهناك فرق شاسع بينهما كما ذكرت في مقالي السابق وحاولت شرحه لأخونا ثم عن مدى ما قدمته المدن الصناعية التي كلفت ميزانيات الدولة مليارات الدولارات وأخيراً والأهم مما سبق عن ما قدمته للشباب السعودي بجنسيه، لكنه وقف عاجزاً عن الإجابة ولم يحرك ساكناً وقد ذكرته بأنني ألحقت مقالي ذلك بمقال آخر طالبت فيه الهيئة أن ترد على تلك التساؤلات التي أزعم أنها تراود الكثيرين.
ذكرته أن الهيئة التي أسمع عن منجزاتها كثيراً وأرى صوراً لمعالي رئيسها وأستمع لخطبه الطويله وكلماته الرنانة في المناسبات التي أدعى لحضورها كالمنتديات التي تقوم الهيئة على تنظيمها واستقطاب متحدثين عالميين فيها، هي هيئة خرجت كما أزعم دائماً من رحم وزارة التجارة وكان ينبغي أن تعود لها بعد أن أدت المهمة - إن كانت قد أدتها - إن كنا فعلاً نعمل على تحقيق الهدف من إنشاء الهيئات والتي ذكرت وشرحت عنه في أكثر من مقال ومناسبة بأنه يتحقق عندما يراد يكون هناك ثمة سبب قوي يبرر قيام هيئة ما، ويتم بحث الحاجات الملحة التي تتطلب إفراد جهة واحده تكون مسئولة عن لعب دور معين ضمن فترة زمنية محددة يتم تمديدها بشكل مستمر في ظل استمرار الحاجة لها وتكون مرجعيتها في الغالب سلطة أعلى من الوزارة التي انبثقت من رحمها، ذلك لتعزيزها وتقوية دورها ومنحها مزيد من الثقل والصلاحيات الأمر الذي يهيئ أيضاً متابعة مباشرة وفورية من قبل تلك السلطة، على أن تعود تلك الهيئة إلى المصدر الذي خرجت منه متى ما حققت دورها.
ثم أوضحت لأخينا بأنني ومن باب الإنصاف وقول الحق كنت قد ذكرت في المقال أن الهيئة العامة للاستثمار قد لعبت دوراً كبيراً في جذب الاستثمارات للمملكة وأدى ذلك لتحسين مكانة وترتيب المملكة في سلم أو قائمة الدول الأكثر جذباً للاستثمار وربما الأكثر توفيراً لبيئات الاستثمار، لكنني وهذه حال الكثيرين لازلت لم أسمع عن مخرجات أو فوائد المدن الاقتصادية التي أعلنت عن قيامها الهيئة، ولا عن مشاريع تسهيل حقيقية للمستثمر الأجنبي ولا عن ما ذُكر عن مهام لتلك الهيئة، ومع ذلك، أقول إن ما قامت به الهيئة من تحسين موقع المملكة في ترتيب مكانتها في سلم أو قائمة الدول الأفضل بيئياً أو الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية هو ما لمسته ورأيته وقرأت عنه فقط وذلك يُحسب للهيئة إن كان ذلك الترتيب أو تلك القائمة لا تخضع لعامل الربحية ولا تعود الجهة التي تُصدرها لمؤسسة ربحية بل لمنظمة محايدة تتبع ربما المنظمة العالمية للتجارة أو أية جهة محايدة غير ربحية ولا يستطيع كائن من كان أن يؤثر عليها، ويتم تمويلها من منظمات عالمية أكبر، ولعل القارئ الكريم سيعي ويفهم ما قصدته تماماً من شرحي ذلك.
لكن ماذا عن الشأن المحلي، وقبل الخوض فيه، ماذا عن تفسير جملة الأكثر جذباً للاستثمار؟ هل ذلك يعني أرقام المال الذي يتم استثماره أم عدد من يستثمر في البلاد؟ فإن كان الأمر يتوقف على عدد الأجانب الذين يستثمرون في البلاد فذلك كارثة لا أعتقد أن الهيئة تعتزم الكشف عن عددهم لأن في ذلك كشف عن أعداد مهولة من العمالة التي جمعت بطريقة أو بأخرى المبلغ البسيط الذي تشترطه الهيئة لمنح العامل رخصة مستثمر أجنبي، أما مسألة المال فهنا أيضاً يجب أن يتم مساءلة الهيئة عن أمور عدة لعل أهمها، أين يكمن ذلك الاستثمار وبأي صناعة تم صرفه؟ وعلى أي أساس تم منح المستثمر الأجنبي رخصته؟ ولماذا تم تخفيض وتغيير العديد من الإجراءات الخاصة بمنح تلك الرخص ولصالح من؟ وما الغاية من ذلك التخفيض أو التغيير؟.
كثيرة هي الأسئلة التي يجب طرحها على الهيئة، فحينما تقوم بالإعلان عن إنجازها غير المسبوق في رفع مكانة المملكة في قائمة الدول الأكثر جذباً للاستثمار، علينا أن نتوقف قليلاً لنسأل القائمين على الهيئة عن نوعية تلك الاستثمارات، وعن طبيعتها، وأضافتها للمملكة، وكم هيأت من فرص عمل للشباب والشابات وماذا قدمت للبلاد، وهل كان لها تأثير في مزاحمة التاجر المواطن البسيط في تجارته وربحه، وهل أسهمت في إعلاء اسم المملكة صناعياً وهل ساهمت في نقل التقنية وتطويعها محلياً، وهل كان لها دور يُذكر في أي نشاط في المسئولية الاجتماعية، وهل كان لها دور في إدخال تقنيات تجارية جديدة، وهل قدم أولئك الذين منحوا تراخيص المستثمر الأجنبي الهدف والغاية التي من أجلهما أوجدت الهيئة.
إن لم تكن الغاية أو الهدف من الإعلانات السابقة التي تُصر الهيئة عليها في كل محفل وكل مناسبة عن تغيير مكانة المملكة عالمياً في قوائم أفضل الدول استثماراً وأفضل الدول تحسيناً لبيئات الاستثمار، إن لم تكن الغاية تلميعاً فقط لدور الهيئة أمام ولي الأمر، فيجب مسارعة الهيئة للإعلان بشفافية عن ما قدمته لخدمة المملكة داخلياً عبر الإجابة على الأسئلة التي طرحتها في الفقرة السابقة.
ثم إن كانت الهيئة فعلاً تنوي خدمة الشاب والشابة السعوديين، فلماذا لا تضيف إلى دورها استثمارات أبناء البلد، أو ليست تلك استثمارات أيضاً، هناك الكثير من المواطنين الذين يملكون الحد الأدنى من المطلوب للحصول على تسهيلات الهيئة ولا يعلمون كيف يبدأون، فلماذا لا تقوم الهيئة مشكورة على مساعدتهم؟ سيخرج من يقول بأن هذا من أدوار جهات أخرى في البلاد لكنني أؤمن بأنه إذا تم معاملة المستثمر المواطن كما يعامل المستثمر الأجنبي لنجح الكثيرون من أبناء البلد ولتحقق للهيئة الكثير والكثير. ثم هل يقتصر مفهوم البيئة الاستثمارية الأكثر جذباً على الأجانب فقط؟ إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com