- العقل المتقد قد يكون نعمة على صاحبه الموهوب، وقد يكون نقمة، ومن المتفق عليه أنّ الذكاء العقلي الخارق يجعل صاحبه يتحرك خارج تفكير غالبية المجتمع، ويدفعه إلى الانسحاب من وجه الحياة والمجتمع، شأنه شأن بعض الفئات التي تعاني قصوراً في وظائف العقل، أو تعرّضت لبعض الصدمات النفسية من المجتمع في حياتها.
- تفكير الإنسان، وابتكاراته العلمية قد تكون وبالاً على نفسه، وعلى مجتمعه، وعلى العالم بأسره. وأعتقد أنّ الانفجار المعرفي الهائل المتعدّد في دول كثيرة، ومنها (اليابان) جنى على المجتمع الإنساني، في قيمه، وأخلاقه، وصحته، وثقافته، وسائر شؤون حياته، وبطبيعة الحال هذه المعادلة لا توازي شيئاً بما قدمته تلك العقول للبشر من وسائل أسهمت في تطوير حياتهم المعيشية، وكان لها دور كبير في التقدم والازدهار والرقي للشعوب.
- كثيرون تحدثوا عن مفاعل (فوكوشيما الياباني)، وأثر الإشعاعات النووية المتسرّبة، أو يخشى تسرّبها على الإنسان، مما سيكون له أكبر الأثر على إصابة الإنسان بسرطان الجلد، والدم، ومرض العيون، ونقص القدرة على الإخصاب، والتشوهات الجنينية إلى غير ذلك من المخاطر التي لن يسلم منها الإنسان، والحيوان، والنبات، وقد يمتد الأثر إلى الأجيال القادمة.
- هنا يجمل بالإنسان أن يستدرك مغزى الآيات المحكمات التي أومأت إلى جناية الإنسان على نفسه، وعلى مجتمعه بسبب أعمالهم التي ظاهرها عمار الكون والحياة، وقد تستبطن غير ذلك، فالدمار الشامل الذي يحدث في البر والبحر، بفعل اختراعات وابتكارات هذا الإنسان، وتدخله المباشر في الكون هو نوع من الفساد المذموم الذي ألمح إليه القرآن الكريم.
- من المؤكد أنّ الإنسان، وهو يقدم على صنيعه، ينساق إلى ذلك من أجل متع دنيوية زائلة أعمت بصيرته عن العواقب الخطيرة على الحياة، والإنسان، والكون، فألقى بنفسه وغيره في التهلكة من غير إدراك تام أو شعور.
- ساعة الكوارث الكونية نضع الموازنة للعقل البشري الذي ذلل الأرض جبالها وسهولها، وغاص أعماق البحار والمحيطات، وهزم الجاذبية، وخرق الفضاء، واستولى على الكواكب، ولا زال في كل يوم يأتي بجديد يهدد الكائنات. اليوم لم يعد الشعب (الياباني) هو الذي يدفع ضريبة الانفجار المعرفي، والثورة التكنولوجية، ويستنجد بالمجتمعات المتقدمة لدرء المشكلات المتوقعة، بل شعوب العالم أجمع بدأت تراجع نفسها في هذا المجال، وتدعو المجتمعات إلى تقديم مصلحة الإنسان على أي اعتبارات أخرى. إذن تلك الكوارث فرصة سانحة للبشر، وهم يقارنون بين الشرائع السماوية، ونظرتها للحياة، والكون، والإنسان، وتقسيم هذه الشرائع للناس ما بين عالم ببعض ظواهر هذه الحياة، وآخر غافل عما هو أهم وأعظم. ومما يثير الاستغراب أن تنعت الثقافات والمجتمعات التي كان منهجها التوازن في حياة الإنسان بالتخلف والرجعية، وعدم مواكبة العصر.
dr_alawees@hotmail.com