|
لا يمكن لأي متحدث عن شخصية سلطان بن عبدالعزيز أن يتناول تلك الشخصية دون التوقف طويلاً أمام واحدة من أهم صفاته وسجاياه العديدة والمتمثلة في شخصيته الإيمانية المحبة للخير حيث سخر سلطان ابن عبدالعزيز حياته كلها لخدمة دينه ووطنه وأمته، وجعل كل ما يملك في هذه الدنيا وقفاً لله تعالى، وأعماله ومواقفه تشهد له عند ربه بحرصه على خدمة الإسلام والمسلمين، فهو رائد من رواد العمل الإسلامي، وخادم لقضايا الأمة العربية والإسلامية، ومثلما سخر حياته وأعماله لخدمة دينه، فقد خدم دينه على أفضل ما يخدم المسلم المخلص خلال رئاسته للهيئة العليا للدعوة الإسلامية وترؤسه لمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فقد حرص على المتابعة لجميع الخدمات والأعمال والأجهزة التي تقدم خدمات للإسلام والقضايا الدعوية ونشر تعاليم الإسلام، حيث أجمع كثير من العلماء والباحثين على أن الدور السعودي الإنساني الذي يقوم به سلطان ابن عبدالعزيز محلياً وعربياً وإسلامياً ودوليا يعتبر ريادة في العمل الإسلامي الكبير.
شخصيته الدعوية
صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله في 29-4-1415هـ، بإنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود.
خطا ذلك المجلس برئاسة سموه خطوات واسعة في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين ومناصرة أهله أينما وجدوا، لذلك فالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية يحظى بدعم سموه المطلق وإشرافه المباشر، ولعل ذلك يظهر من خلال الإشارة إلى مهام ذلك المجلس التي تقوم على:
التخطيط والإشراف على الشؤون الإسلامية في الخارج ودراسة المشكلات ذات العلاقة وحلها، دراسة واقتراح المساعدات الخارجية ووضع برامج وخطط الدعوة في الخارج وتحديد الوسائل والقواعد العامة لاختيار الدعاة وتدريبهم وتأهيلهم وتحمل نفقات إيفادهم، والتعاون مع الجهات والأفراد العاملين في مجال الدعوة والتنسيق في ذلك.
وشمل نشاط ذلك المجلس برئاسة سلطان فعاليات وأنشطة كثيرة منها الاهتمام بالأقليات الإسلامية ودعم الجمعيات والمراكز الإسلامية والجامعات والمعاهد الإسلامية وعقد المؤتمرات والندوات الإسلامية بالإضافة إلى الاهتمام بالهيئات الإغاثية الإسلامية ودعمها، ناهيك عن رعاية المملكة ودعمها المنظمات الدولية الإسلامية الرسمية، والشعبية الأهلية وذلك مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة الإغاثة الإسلامية في المملكة، ولاشك أن دعم ومتابعة وإشراف سموه على ذلك المجلس وراء نجاح ذلك المجلس في أداء مهامه الموكلة إليه(1).
وقد تشرفت جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام برئاسته لها وكرم سموه جمعاً كبيراً من علماء وشخصيات هذه الأمة الذين خدموا الإسلام والمسلمين، ومن أبرزهم سماحة العلامة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني.
والأمير سلطان على اطلاع كبير بالأمور الشرعية رغم كثرة مشاغله ومسؤولياته والدليل على ذلك خطبه ومناقشاته مع العلماء وطلاب العلم ومن ذلك قوله: ونحن على كل حال ولله الحمد والشكر من أيام الملك عبدالعزيز وأجدادنا الأولين وأجدادكم الأولين ونحن على هدي محمد على الصلاة والسلام، ونأمل أن نكون دائماً وأبداً حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه بدون دين ليس هناك أمن، وبدون دين ليست هناك استقامة ولا رزق ولا حياة ولا سعادة.
كل سعادة بدون هذه العقيدة الإسلامية سعادة فارغة وفاسدة ونحمد الله ونشكره أن الله يجعل ولايتنا فيمن خافه واتقاه وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين وأن ينصر الله دينه ويعلي كلمته ويحق الحق ويزهق الباطل ويجزيكم الله الخير. (من حديث لسموه في يوم الاثنين 24 ربيع أول 1421هـ).
ومن أعماله في خدمة الإسلام والمسلمين أنه يقوم بالتكفل بنفقات عدد كبير من الحجاج على نفقته الخاصة، كذلك يقوم سموه الكريم بالإشراف المباشر على راحة حجاج بيت الله الحرام، وتجند جميع أجهزة الدولة لتيسير أمور الحجاج، ومن هذه الأجهزة وزارة الدفاع والطيران بجميع فروعها وتخصصاتها لخدمة الحجاج سواء المطارات المدنية أو المستشفيات العسكرية الدائمة أو الميدانية وكذلك طائرات الإخلاء الطبي والمعسكرات وغيرها مما يرعاه سموه الكريم ويحث المسؤولين على تقديم جميع الخدمات لضيوف الرحمن، هذه بعض جهود سموه الكريم في خدمة الإسلام والمسلمين وليست كلها، لأن ذكرها كلها يحتاج إلى مجلدات.
يقول الأمير سلطان:
(هناك من يمارس أموراً ويؤمن بمفاهيم تسيء للإسلام وتقدم صورة سيئة عنه، ومن ذلك أنهم يسموننا بالوهابيين، والحقيقة أن منهجنا ليس وهابياً، بل إنه المنهج السلفي الذي يقدم الإسلام الصحيح المتسامح بما سمت به الشريعة الداعية إلى التآخي، ونحن ليس لدينا تعصب في ديننا، لذلك تجد المتعصبين يشمئزون من كلمة السلفية، والدين لله تعالى دون نظرة مذهبية..
أوصيكم دائماً بتقوى الله تعالى في السر والعلن والتمسك بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والله يتولانا جميعاً بعنايته).
ويقول سلطان عن المنهج السعودي:
(اهتم التاريخ بالتطور الطبيعي التراكمي للدولة الحديثة ذات المجتمع الآمن في المملكة، وهذا الاهتمام لا ينبع من مجرد عظمة ذلك في سياق تاريخي محض، بل للتدليل على صحة النهج الذي تبنته المملكة لإتمام هذا التطور، إنه النهج الذي ارتضاه الله لخلقه وبعث به آخر رسله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما أن هذا الاهتمام ينبع أيضاً من كون هذه الحركة التاريخية التراكمية المنتظمة تمثل برهاناً حياً نابضاً بالحركة على كون هذا النهج هو دين ودولة، داحضة كل مقولة لا تعترف بدولة التوحيد، أو تقول بجمود الفكر الإسلامي وعجزه عن التبلور على أرض الواقع، كما ينبع هذا الاهتمام أخيراً وليس بآخر من تحقق قدرة الإسلام العظيم على التعايش مع حضارة كل قرن إذا أحسن فهمه وتطبيقه).(2)
إنسانية المسلم الحق
الابتسامة التي لا تفارقه لا تنفصل قط عن الحزم الذي يلازمه، ابتسامته في الحزن مواساة وفي الفرح سعادة، وحزمه في كل وقت انضباط واحترام للواجب والتزام وطني وإنساني.
لقد كان للمسؤولية المبكرة دور في هذا الشأن، إذ تولى سلطان مهام إمارة الرياض وهو دون العشرين، رأى فيه والده الملك عبدالعزيز بثاقب رؤيته قدرة على التعامل مع الظروف الصعبة التي كانت تجتازها المملكة، كانت الرياض هي الأكبر من ناحية السكان وهي الأضعف من ناحية الإمكانات عندما تولى إمارتها، فهي ليست ميناء وليست وسط منطقة زراعية كانت تعاني إذا قل المطر، وتعاني أيضاً إذا جاء غيثا مدراراً، ويذكر كل سكان الرياض الذين عاصروه أميراً عليها أنه كان في مقدمة الصفوف في الحالتين، ليس أمراً أو موجها بل مشمراً للساعد مع أهلها.
ومنذ أكثر من نصف قرن وسلطان عبدالعزيز يخدم الدعوة الإسلامية، ويعضد نشر كلمة الحق ويستجيب لنداء الدعاة في كل بقاع الأرض بلا تردد وفي صمت، لا يرجو من أحد مدحاً ولا جزاءً ولا شكوراً إلا من الله وحده، فما أكثر المشروعات الإنسانية الضخمة التي ملأت ساحات الأرض ونشرت عرى المحبة والألفة، وكفكفت دموع المحرومين، فإننا نجد سموه قد بذل جهدا يشكر عليه في نشر رسالة الإسلام الصحيح، ومول سموه حملات كثيرة، وسخر الدعاة لينشروا دين الله الخالص المبرأ من لوثات الشرك وكهنوت الدجالين وتسطّح الغلاة والمتشددين بل حنيفية سمحاء منهجها الوسطية التي لا تعرف إلا الرحمة والرفق ببني الإنسانية جمعاء، ولا تكره واحداً على الدخول في ملة الإسلام إلا بالموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن.
وقد عمل الأمير سلطان على نشر رسالة الإسلام في شتى أنحاء الدنيا، وأرسل البعثات الدعوية المصحوبة بفكر مستنير ودعوة قائمة على الفهم الصحيح للدين خالية من التزمت والامتعاض والتشدد الذي غلب كثيراً من الناس فباؤوا بخسران مبين، وكما رافقت بعثات سموه الدعوية حملات الخير التي أنقذت الجوعى من الكوارث والحروب فوطنت بعثاته الأمن ونشرت في ربوع تلك البلاد المحروقة ثقافة السلام والتسامح وإعانة الضعيف وإنقاذ المحتاج ونصرة المظلوم، فقد عرفت تلك البعثات بهدايا سفير الخير والإنسانية الأمير سلطان بن عبدالعزيز.. ثم امتدت تلك المشروعات الخيرة شاملة معها إنشاء دور للمسنين وما يستتبعها من لوازم تعين هؤلاء على مواصلة مشوار حياتهم بكل راحة وأمان.
سلطان بن عبدالعزيز آثر خدمة الإسلام على كل عمل فهو خادم الإسلام في كل مناسبة واحتفال، وقد تسلم العديد من الجوائز الدولية وشهادات التقدير والتي هي دليل وبرهان وخير شاهد على أعمال سلطان الخيرية، خاصة عندما ترأس الهيئة العليا للدعوة الإسلامية حيث قام بدور كبير انطلاقا من حرص حكومتنا الرشيد وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين على أداء رسالتها القيمة لنصرة هذا الدين ونشر تعاليمه وقيمه والعمل على تفعيل دور الأجهزة والمرافق الدعوية وتأهيل الكوادر المختصة في علوم الشريعة والسنة للدعوة في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل على أسس ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي ارتكزت على وسطية الإسلامية وعدالته العظيمة التي تعطي كل ذي حق حقه وتنشر المحبة والسلام ولا تفرق بين فئة وأخرى وبين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى. ولا تقف إنسانية هذا العملاق المحبوب سلطان على ذلك فقط وإنما تتواصل سلسلة الخير عنده في بناء المساجد وإنشاء دور العلوم ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ونشر وطباعة كتب السنة النبوية الشريفة وإعطاء الجوائز المادية وتقديم التقدير المعنوي والمادي للعلم والعلماء وتقدير علماء الدين والتواصل معهم وهي عادة فضيلة سار عليها أبناؤه وأجداده من قبل، فمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية تدعم المشروعات والمؤسسات الإسلامية والبرامج العلمية وتقدم التبرعات لخدمة الإسلام والمسلمين داخل المملكة وخارجها، وتوزيع الكتب والمؤلفات وتساهم في البحوث والدراسات وطبعة الكتب والمخطوطات التراثية وذلك لخدمة الإسلام والمسلمين، وتقوم بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم وعلوم السنة المطهرة والدفاع عن الإسلام وعلمائه ورعاية الجاليات الإسلامية ومساعدتها وإرسال الكتب والمقررات التي تبصرهم بدينهم وترفع من مستوى الوعي والإدراك بينهم.(3)
إن مناقب سلطان عديدة ومكارمه كثيرة ومآثره معروفة فلقد أوقف من ماله الكثير لخدمة الإسلام والمسلمين حتى وصلت وبلغت مؤسسات دولية عملاقة، ودول رشحته لمنزلة أفضل الشخصيات الإنسانية نتيجة لأعماله الإحسانية ومواقفه المشرفة فهو سباق في ميادين خيرية كثيرة وفي جوانب عديدة وهو خادم الإسلام ومحب المسلمين، مشروعاته وأعماله في كل المجالات ناجحة وموفقة، ودعاء الناس له سبب في قبول أعماله، وهذه الهبة وهذه الموهبة متعددة الجوانب تعطي ولا تمنع ولا تحتسب الأجر والمثوبة إلا عند الله تعالى، فطر سلطان على بذل الخير والكرم والعطاء ولا ينتظر مكسباً ولا ثناء إلا لوجه الله تعالى، وينفق بلا حدود لأجل الخير والإنسانية ابتغاء لثواب الله ورضوانه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فمنذ نعومة أظفاره وحداثة سنه يحب الخير ويسعى إليه، له مواقف عظيمة ومشرفة على أعلى المستويات وأكبر الدرجات وأعظم الرتب لخدمة الإسلام والمسلمين داخلياً وخارجياً حتى انتفع منها كثير من الناس في جميع أنحاء العالم مادياً ومعنويا وفكراً وتطوراً دعماً لنهضتنا التنموية عامة ومؤسساتنا الأهلية خاصة، فمساهمة هذه الشخصية الإنسانية القيادية في التطوير ودفعه لنهضتنا التنموية خاصة وللناس والمؤسسات عامة شاهدة على عطائه، فسلطان بن عبدالعزيز بذكرنا بسلفنا الصالح في إنسانيته ومواقفه في سبيل الله ووجوه الخير وأعمال البر التي لا تعد ولا تحصى.
يقول الملك عبدالعزيز: (إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقاً دائماً، لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب.. لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور.. أنا أود الاجتماع بكم دائماً، لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا وهذه غايتي من وراء هذا الاتصال).(4)
ويقول الأمير سلطان بن عبدالعزيز: (الذي أحب أن أؤكده هو أنني لا أرد طلباً تليفونياً أو كتابياً أو لقاء من أي كان رجلاً أو امرأة بواسطة أو بغير واسطة لأنني أعتبر نفسي خادماً لهذه الأمة تحت توجيه ورعاية وحنان وعاطفة خادم الحرمين الشريفين).