أن تغيب ابتسامة الوطن، أن يتوارى صاحب المحيّا الطلق، والوجه البشوش،.. ذاك هو الحزن الذي يعتصر القلوب، ويفتت الكبود.
حينما رأيت خادم الحرمين أثناء استقبال جثمان الفقيد، لم أتمالك نفسي، أحسست بشعور لا يمكن وصفه أو التعبير عنه إلا بوابل الدمع.
المليك الصادق في تعبيره، السخي في مشاعره، الكبير حتى في حزنه، لم ترض نفسه الكبيرة، وهمته العالية، الغياب في يوم مشهود من أيام الوطن.
أبت عليه عاطفته إلا الحضور، واستقبال جثمان ساعده الأيمن، وتوديعه في موقف مهيب، وحزن غريب, والنفس تتأهب للقاء صامت، وكانت النظرة الأخيرة والوداع الأبدي.
سلطان «بعيدا على قرب، قريبا على بعد».
تقف الكلمة كما الغصة.
يغيب الأنس مقهورا.
يتوارى الفرح خجولا.
ويحضر الحزن كوحش كاسر.
وتقبل الدموع بجمع غافر.
والجرح غائر.
وألم الفقد يعتصر النفوس.
يا لها حسرة تقطع نياط القلوب، ولسان حال مليكنا يجسده قول الشاعر:
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
ولكنه رحل، رحل وكانت قاصمة الظهر
في مشهد محزن مؤثر، حُمِل سلطان على الأكتاف، وقُدِم هدية للثرى «فيا عزة المُهدَى، ويا حسرة المُهدِي».
لوعة علت الوجوه، وسكنت أقصى الضلوع.
موقف يحرضك على اليأس، فلا جدوى من الكلام ولا جدوى من الدموع، وليس بوسعنا إلا التسليم والانقياد لإرادة الخالق، وحكم القدر.
سلطان سكن القلوب قبل أن يسكن الثرى
ليته يرى: حزن المدن، حزن البيوت والشوارع، حزن الوطن.
يا رب، يا كريم يا منان، يا رحيم يا رحمن، ارحم فقيد الوطن، عنوان الخير والجود، سلطان.
نورا العلي - القريات