|
د. علي سعيد آل صبر - أبها
هذا هو حكم الله وهذه هي مشيئته يوم ذرفت الدموع وعمت الأحزان القلوب، نعم ذلك اليوم الذي غيب فيه سلطان بن عبدالعزيز عن أحبته وشعبه ولكنه لم يغيبه عن قلوبنا وقلوب من يحبه، والجميع يحبه رحل سلطان عن هذه الدنيا ولكنه لم يغب عن قلوبنا، فهو حي في أذهاننا ما دامت الحياة.. كيف لا وهو الإنسان بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى الإنسانية لقد صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، روحه الزكية التي طالما عاش من نفسها الكثير والكثير من المرضى الذين أحسوا بأرواحهم تتدفق حياة وعافية من روح سلطان، وقد سمعت طفلة لم تتجاوز السنوات الست وهي تقول في يوم وفاته (يا بابا سلطان إنا نحبك ولكن الله يحبك فأراد أن تكون في جواره في الفردوس لأنك قدمت كل الخير) إن هذا الإنسان لم يكن ينتظر من أحد أن يقول له أريد بل كان يبادر رحمه الله (تمنى وش تبي فلو طلب القليل أعطاها الكثير كان وهو يعطي يبتسم ابتسامة الأبوة والأخوة).. هذا هو سلطان الخير يحقق أمنية كل إنسان.. كان رحمه الله جسراً من العطاء أوله في يده ولا تستطيع أن تعرف له نهاية؛ عطاء مستمر ونهر متدفق يرتوي كل إنسان في كل مكان.
لقد كان سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- يحمل بين أضلعه القلب الحاني المحب.. كان يداعب الأطفال بكافة أعمارهم ويرسم على وجوههم البسمة بسمة الأب الذي أصبح كل طفل يناديه (بابا سلطان) نعم أب ولا كل الآباء.
لم يكن سلطان الخير رجل سياسة ودولة فحسب، بل كان أبعد من ذلك بكثير كان رحمه قريباً من المواطن وهمومهم؛ فقد كان يمد يد الخير لكل من هو في حاجة بمختلف أجناسهم ومسمياتهم.. كان رحمه الله حريصاً على توفير السكن المريح المؤثث، فأنشأ الكثير من المشروعات الخيرية بمختلف مناطق المملكة.
إن من أولويات اهتمامه رحمه الله توفير الراحة لذوي الطبقات المحدودة ولمّ شمل الأسرة الفقيرة تحت سقف واحد.
إن الحديث عن مؤسساته الخيرية تحتاج إلى كتب ومجلدات، ولكن سوف أذكر بعضاً على سبيل المثال لا الحصر.. لقد أنجزت مؤسسة الأمير سلطان الخيرية أكثر من 1550 وحدة سكنية موزعة على مناطق المملكة ومؤثثة تأثيثاً كاملاً مزودة بكل الخدمات الكاملة من كهرباء وتلفونات وكل ما يحتاجون.
كان رحمه الله يهتم اهتماماً كبيراً بذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، وكل هؤلاء وغيرهم يندرجون تحت رعاية مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، التي أنشأها سموه منذ عام 1416هـ - 1995م، وكان لدعم سموه رحمه الله لمدارس تحفيظ القرآن الأثر الكبير في نفوس الطلاب مما شجعهم على الحفظ، فقد خصص رحمه الله جائزة الأمير سلطان الدولية لحفظ القرآن، وأخرى للعسكريين لكي يكون كتاب الله الكريم محفوظاً في قلوب الطلاب والعسكريين.
ومن الناحية السياسية كان منذ نعومة أظفاره رجلاً سياسياً يشارك برأيه الثاقب وحنكته ودرايته بعالم السياسة فعندما يتحدث سلطان يجبر الآخرين على السكوت والاستماع إليه لأنه إذا قال فعل وإذا تكلم أصبحت كلماته مرجعاً كبيراً في عالم السياسة فهو ذو فكر وعبقرية ونبوغ يستطيع أن يوصل الفكرة بكل وضوح وصدق.
شارك رحمه الله مع أخيه الملك فيصل رحمه الله في حضور مؤتمرات القمة العربية والإسلامية والجلسات العامة للأمم المتحدة وقد كان رحمه الله يترأس وفوداً رسمية في زيارات خارجية ففي عام 1406هـ، كان رئيس وفد المملكة في احتفالات الأمم المتحدة في ذكرى مرور 40 عاماً على تأسيسها.
ولا يخفى على أحد المناصب التي تقلدها فمنذ عهد والده الملك عبدالعزيز رحمه الله كان أميراً للرياض في عام 1366هـ الموافق 1949 من الميلاد، ووزيراً للزراعة 1377هـ - 1953م وبعدها وزيراً للمواصلات عام 1375هـ - 1955م.
ثم عيّن وزيراً للدفاع عام 1382هـ الموافق 1962م ونائباً ثانياً لمجلس الوزراء عام 1402هـ الموافق 13 يونيو 1982م بالإضافة إلى مسؤولياته وزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام، ثم عين رحمه الله ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء في 26 من جمادى الآخرة من عام 1426هـ الموافق 1 أغسطس 2005م كان رحمه الله حكيماً قوياً في الحق يتحدث بلغة الفكر والثقة والحلم.
إن الحديث عن سلطان الخير والعطاء -رحمه الله- لا تكفيه مقالات ولا بحوث، ولكن نسأل الله أن يجعل كل ما قدم من خير في ميزان حسناته.. فالكل يرفع يديه إلى الله أن يجعله في الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}