|
فجع الشعب السعودي صباح السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة (1432)هـ بنبأ وفاة ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز وقد كان لهذا الخبر نزول الصاعقة على الأمة وليس بغريب استعظام الناس فقدان الأمير عند سماع الخبر لأنهم يدركون عظم المصيبة ولكن الإيمان الثابت بقضاء الله وقدره خفف آلامهم وزال هم قلوبهم.
والحديث عن الأمير سلطان من أصعب الأمور والسبب حيرة الكاتب أمام النواحي التي تتكون فيها شخصيته ومن يقرأ تاريخ بلادنا منذ توحيدها ويعايش يوميات ذلك الزمن أو يستمع لشهوده يعرف قيمة هولاء الرجال في تاريخ هذا الوطن كيف كانت هذه البلاد قبل توحيدها وكيف كبرت لتكون هاجس حكامها ثم كيف أصبحت نهج عمل ومسؤولية وكيف تكاتف الفقيد الأمير سلطان مع والده خلال تلك المرحلة ثم مع إخوانه الملوك الراحلين سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله.
لقد كان محل ثقة والده وإخوانه فتدرج في المناصب والمسؤولية من أمير الرياض إلى وزير المواصلات فوزير الزراعة ثم وزيراً للدفاع والطيران ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ثم ولياً للعهد حتى وفاته يرحمه الله وتوالت عليه المهام خلال (67) عاماً من شرح واستقطاب وتطمين ودعم وتحرك نحو شرق العالم وغربه وقد امتاز بالحركة الدؤوبة والعمل المتواصل داخلياً وخارجياً من أجل رفعة هذا الوطن ودعم ومساندة العرب والمسلمين جنباً إلى جنب مع قضايا المملكة وتطلعاتها الدائمة للاستقرار العالمي وموضوعية الحوار المتكافىء ليسود السلم والأمن والرخاء والرفاهية للإنسانية جمعاً حمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره وبذر مبادئ الإحسان وتذليل الصعاب وأنشأ دور العبادة ودعم التدوين وهو في كل ذلك نسيج وحدة ولا ريب أنه يرحمه الله يتميز بمكارم الأخلاق فما حظي إنسان بالسلام عليه أو أصغى لحديثه إلا شرب حبه في قلبه وانطلق لسانه بالإعجاب به وأظهر الإكبار له فقد كان بحراً من الحسنات لم يكشف الغطاء عنها في الداخل والخارج وله أياد بيضاء غير منظورة كان يتعهد بها الذين طوح بهم الزمان وتنكرت لهم الدنيا فليعلم الناس ما لم يعلموا مما طبعت عليه نفس سموه الكبيرة من أخلاق فاضلة تتجلى الأسوة الحسنة.
ولا مراء في أن نوابغ الرجال عندما يعرضون على مقاييس التحليل وموازين التقدير للتعرف على خصائصهم الإنسانية العالية وإظهار المهارة وضروب القوى المبدعة في نفوسهم فإنهم يرجحون دائماً وفي هذا الوطن أسماء عندما نتذكرها تزيدنا مجداً وفخراً وفي مقدمتها سلطان بن عبدالعزيز وما شيد من أعمال البر لهذا الوطن وظلالها شامخة ليوم القيامة.
وعزاؤنا في فقيد الوطن والأمة هو أن هذه البلاد يقودها ملك رشيد وقد ائتلفت على حبه والإخلاص له والتفاني في خدمته فأحبته قلوب أبناء هذا الوطن لأن الله قد جبله على خير ما يتصف به الملك العادل الحازم ونحن سائرين خلف مليكنا وقلوبنا مؤمنة ومطمئنة واثقين بالله متمسكين بحبله معتصمين بطاعته متضافرين على نصرته ولسان حالنا يقول ماذا نصنع والقضاء نازل والموت حكم شامل؟ وإذا لم نلذ بالصبر فقد اعترضنا على مالك الأمر، وكلنا يقين أن نوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر وما لنا إلا أن نجعل هذه اللوعة الغالية والدمعة الساكبة حاجباً من الفضل وحاجزاً من العقل ودافعاً من الدين ومانعاً من اليقين والمحن إذا لم تعالج بالصبر أصبحت كالمنح إذا لم تقابل بالشكر، فصبراً صبراً ففحول الرجال لا تستفزها الأيام بخطوبها كما أن متون الجبال لا تهزها العواصف بهبوبها، وعزيز علي أن أخاطب سيدي خادم الحرمين الشريفين والأسرة الحاكمة الكريمة والشعب الوفي معزياً بالفقيد الأكرم والذخر الأعظم والركن الأشد والسهم الأسد والشهاب الأسطع والحسام الأقطع (سلطان بن عبدالعزيز) ولكن التعزية سيرة سائرة وسنة ماضية وقدر الله هو المقدر وأجله إذا جاء لايؤخر ولولا أن التعزية يستوي فيها الأشرف والأوضع لما حللت سيدي أن أفاتحه معزياً وأخاطبة مسلياً ولكن بحمد الله العالم لا يعلم والسابق لا يتقدم فيكم يقتدي في الصبر على النوائب وكل ما كان من الرزء أوجع كان الأجر عليه أعظم سيدي خادم الحرمين الشريفين جعلكم وكافة أفراد الأسرة المالكة الكريمة من الصابرين على المصيبة وأعظم أجركم وجعل الجنة نصبكم وجنبنا وإياكم الجزع على فقيدنا الأمير سلطان لأننا نعلم أن من ورائه ثلاثة ظلال، أولاهن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والثانية شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شىء ونسأل الله أن يدخله فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.