خيم على الأمة الإسلامية والعربية الحزن والأسى منذ أعلن الديوان الملكي السعودي نبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في فجر السبت 23-11-1432هـ، أما نحن في المملكة العربية السعودية فإنني أجزم أن أغلبنا انتابه الوجل والأسى المصحوب بالصمت المطبق والشرود الذهني والتداعيات الفكرية السريعة بالرغم من علمنا جميعاً ومتابعتنا لما يعانيه سموه من مرض نسأل الله أن يجعله تكفيراً لسيئاته وزيادة لحسناته ورفعاً لمنزلته في الجنة حيث ورد في الحديث أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها» ومن أشد الابتلاء الإصابة بالمرض.
هذه المشاعر التي ما زالت تنتابنا مرجعها أننا فقدنا أميراً عزيزاً كريماً، رجل دولة تسنم المهمات منذ وقت مبكر فحنكته التجارب حتى أصبح يدير ملفات محلية وإقليمية ودولية، فهو ولي العهد ووزير الجيش وغيث المكرمات. فقد وجدناه في ساعات الحسم حاسماً، وما دوره البارز في معركة تحرير الكويت عنا ببعيد، وفي مواقف العطف والشفقة حنوناً وفي مواقف الحكمة حكيماً، مفاوضاً من الطراز الأول فلو كان بينه وبين مفاوضيه شعرة لما انقطعت كما يقال عن معاوية رضي الله عنه، ودائماً تكلل القضايا التي يديرها بالنجاح وعلى سبيل المثال قضايا الحدود مع بعض الدول المجاورة. وسموه إداري متميز فقد كان رئيس اللجنة العليا للإصلاح الإداري وهو أقدم وزير حيث كان يحضر جلسات مجلس الوزراء منذ تعيينه وزيراً للزراعة عام 1373هـ وأقدم وزير دفاع على مستوى العالم.
أما على الصعيد الإنساني فالأمير سلطان - رحمه الله - يعتبر متفرداً على مستوى العالم الإسلامي في عصرنا الراهن بدون مبالغة، فسموه غيث مدرار، فقد قدم المساعدات سراً وجهاراً وكفل الأيتام والأرامل وأعتق الرقاب وبنى المساجد وأنشأ المستشفيات والجمعيات الخيرية، كل هذا يأتي بنفس زكية محبة للخير، فهو بحق رجل المكرمات وقد امتدت أياديه البيضاء لكل أصقاع الدنيا. وإنني أجزم أنه سيفقده كثيراً من المعوزين الذين كانوا يعتمدون عليه بعد الله في التخفيف من وطأة نوائب الدهر. ومن القصص الحقيقية التي رواها لي من أثق به ويحسن ذكرها اليوم، أن رجلاً اشترى له بيتاً ولم تكن لديه قيمة البيت كاملة. يقول فاستشرت صديقاً لي عن كيفية تجاوز هذه المشكلة فنصحني بالكتابة للأمير سلطان قال: فقلت له إنني لا أعرف أحداً لدى الأمير، والأمير لا يعرفني فقال له صاحبه: اكتب حاجتك بصدق وأرسلها ولن يخيب ظنك في سموه فستقضى حاجتك. يقول صاحبنا استعنت بالله وكتبت كتابي وبعثت به وبعد أيام وجدت أنه قد صدر لي أمر من سموه بمبلغ مجزٍ ساعدني على تجاوز مشكلتي. يقول عندها: أدركت أن الرجل رجل الملمات والمكرمات. أجزم أن هناك آلاف القصص مثل هذه القصة بل ربما أبلغ أثراً، والمقام لا يسمح لسرد مناقب سموه. رحم الله سموه وأسكنه فسيح جناته فقد رحل عن دارنا الفانية إلى دار الله الباقية وسيبقى حاضراً بيننا مقرونا اسمه بكل ما هو إنساني.
وفداحة الخطب يجب أن لا تنسينا موقف النبل الذي ضربه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وذلك بملازمته لأخيه، موقف يجب أن نستلهم منه دروساً في النبل والوفاء والأخوة. وإنني بهذه المناسبة أود أن أعيد هنا مقترح سبق أن طرحته من خلال مقالة نشرت في هذه الصحيفة العدد (13591) يتمثل في فكرة إنشاء مستشفى للطوارئ يحمل اسم «مستشفى الأميرين» تخليداً لهذا الموقف النبيل. اللهم ارحم فقيدنا واحفظ قائد مسيرتنا وحكومتنا الرشيدة وشعبنا الوفي ووفقنا لما تحبه وترضاه.