في المواقف الصعبة.. ترى المشهد المؤثر.. تقرأ التفاصيل دون رتوش.. وترى الدمعة من خلال الصورة.. وتعيش لحظة صمت.. تحضن الهم.. تحبس الدمعة.. تكبر على وجعك لكنك لا تقوى أن تصمد.. تخور قواك تنهمر الدموع كسحابة حطت حملها.. لأن الموقف لا يجاريه إلا البكاء.. والوجع لا يخففه إلا العويل وبالصوت المرتفع.
المشهد اكبر من أن يتخيله إنسان.. والصورة كسرت كل البروتوكولات.. خرجت بتلقائية... بعفوية.. متناهية... (الصمت يبكيك يا فقيد الوطن بوقفة عبدالله على جثمانك الطيب). صمت قائد وقف ينتظر أن يطل عليه رفيق دربة من شرفة الطائرة فيحضنه وجعه بفقد أخيه.. بلوعة فراق أبدي... أي وجع أكبر من هذا الوجع.. وأي حزن غاص في قلب قائد وملك وحبيب شعب وقبل هذا وذاك قلب إنسان مؤمن.. خضع لأمر الله وتقبل قضائه.
كبر الملك عبدالله على كل ما فيه من مرض جسدي وتحامل على نفسه وآثر أن يكون على رأس مستقبلي ثمان أخيه وولي عهده لا أن يكون على سرير المستشفى.. فأي عاطفة هذه!؟ وأي قلب مرهف!؟ وأي مشاعر تلك!؟ إنه عبدالله بن عبدالعزيز إنسان حمل بين ظهرانيه قلب مترع بالحب والحنان والعواطف والمشاعر.. إنه إنسان بإنسانيته وعظمته وقوة شكيمته وعزيمته التي لا تفتر..
عبدالله بن عبدالعزيز توكأ الألم.. وحمل الوجع ليقف متحاملا على نفسه منتظرا وصول جثمان الفقيد ليرى أخاه محمولا فأي صورة نقرأها من هذه المشهد وأي مشاعر كانت في قلب الملك تلك اللحظة وهو يرى العيون تفيض بالدمع والآهات المكلومة حبيسة.. والصمت يلف المكان.
في مثل هذه المواقف الصعبة تتجلى صور النقاء.. الصور الصادقة المعبرة المتجردة من كل الشكليات. صورة الأخوة النقية.. الحميمية بكل التفاصيل والمشهد كان كافيا عن كل الكلمات..
استعدت في هذه اللحظات مشهد معاودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله متعه الله بالصحة للفقيد في المستشفى وما جسدته تلك الصورة من نقاء الأخوة وصادق الحب وعاطفة جياشة فلم أستغرب أن يكون عبدالله في المطار يؤبن شقيقه ورفيق دربه.
بين الحياة والموت... شريط لا ينتهي إلا بالرحيل الأبدي.. حينها نستعيد المشاهد المؤثرة.. المعبرة.. والمواقف التي قلما أن تتكرر. هي الحياة متاع... طريق له نهاية... محطات.. وقفات.. صور ومشاهد لكن الموجع أن تفقد توأم الروح في لحظة وأنت لا تملك من الأمر شيئا.. لا تقوى أن تفعل أي شيء.. لا تدري ماذا تفعل إلا أن ترخي للعيون كي تهمي فتكفكف حسرتك وتواسي نفسك..تحمل تعب العمر وتعب الأيام.. وتحمل همك وتواصل السير في نفس الطريق..
قد أبكاني المشهد وجرعتني الصورة مرارة الفراق ولوعة الرحيل الأبدي لكنها إرادة الله..
قد كان عبدالله بن عبدالعزيز أكبر من الهم وهو كبير.. وأقوى من الحزن والخطب محزن.. لحظة وقف عبدالله بإنسانية.. بعاطفة الأخ ومشاعر الحب على جثمان أخيه ربما ظنا منه بأن ذلك سيخفف من لوعته على فراقه.. نظرة أخيرة لن يراه بعدها أبدا...
قواك الله يا عبدالله بإيمانك.. بعزيمتك وصبرك واحتسابك وعافاك الله من أوجاعك وهمومك ورحمك الله يا سلطان القلوب... وجعل يد امتدت بالخير لا تعرض على النار وأسكنك الله في عليين.