يغيب الآن عنا سلطان بن عبدالعزيز.. الإنسان الباذل من ماله ووقته وسلطانه ليبقى عطاءه وإنسانيته وتربية أبنائه على سيرته ودعاء شعبه له، فرحم الله سلطان يوم كان حياً ورحم الله سلطان وهو ميتاً ورحم الله سلطان يوم يبعث حياً فقد كان رمزاً من رموز الوفاء للوطن، وكان أحد الذين خدموا الشعب وتفانوا في تقديم كل ما يملكون لهم عطاء غير محدود وبلا حساب، وقد احتسب ذلك عند الله أجراً ووفاء وعطاء.
لقد تكللت جهود سلطان الخير في التوفيق بين الناس بالخير، ولقد كان السباق للاستجابة لنداء وسائل الإعلام في الحالات الإنسانية في علاج وعطاء ورفع ظلم، هذا عدا تطويره للقطاعات الحكومية العسكرية بإدارته الفذة لوزارة الدفاع طوال عقود من الزمن صارت من خلالها المملكة ملاذاً آمناً للشعب السعودي بل وللشعوب الأخرى العربية والإسلامية.
لسلطان بن عبدالعزيز رحمه الله مآثر أجدها لا تتوافر إلا في العظماء فقط، أولها: تاريخه السياسي وحنكته وقدرته الكبيرة على الخطابة الارتجالية بطريقة فائقة التقدير للأمور، وكم من مرة حسم سلطان بن عبدالعزيز قضية سياسية شائكة بتصريح إعلامي قصير يحمل أكبر المعاني وأدق الأمور وأبلغ الرسائل فينهي مشكلة خارجية أو داخلية، ويترك لأحاديثه أصداء واسعة تبقى للتداول فترة طويلة.
وثانيها: ما سمعته كثيراً عن التزامه الشديد بالعمل ودقة مواعيده، وما أكثر المناسبات التي يُدعى لها ويكون من أوائل الحضور فيحترم الناس باحترامه لوقتهم وعدم تأخره عليهم، وكذلك قدرته على التواصل الاجتماعي مع جميع الفئات رغم مشاغله المتعددة، والالتزام بالجدول اليومي الدقيق وترتيب الوقت واحترامه واحترام مشاغل الآخرين مهما علت مناصبهم أو صغرت دليل على ثقة سلطان الإنسان بنفسه ومعرفته لحجم مسؤولياته وأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقة.
وثالث المزايا الأهم برأيي في شخصية المغفور له -بإذن الله- تكمن في شبكة العلاقات السياسية والاجتماعية العالمية والداخلية الواسعة التي حافظ عليها لعقود طويلة وأكسبته احترام المجتمع الدولي وتقديره، وساهمت علاقاته في دعم كثير من القضايا السعودية المُعقدة في الخارج بالإضافة لدعم المواقف الغربية وإيصال صوت العرب وخصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، واتضح هذا بحزن المجتمع الدولي على رحيله رحمه الله. ليس بمستغرب كل هذا الحزن على الفقيد، وليس كثيراً علينا أن نفتقد مثل هذا الرجل، رجل مواقف لا تُنسى وبه يشد الرجال ظهورهم وبه وباسمه تصرخ النساء وتستنجد بعد الله، فهو الذي لم يسمع بحاجة إلا لبى لها فأعطى ولم يمنع أحد وقدمت يمينه وشماله فلا تدري إحداهما عن الأخرى، وشمل كرمه القاصي والداني، وعزت أسر وتعففت جماعات واستغنى ناس لا حصر لهم به فحق لهم وعليهم الحزن، تغمده الله -عز وجل- بواسع رحمته وكريم لطفه، وعزائي لخادم الحرمين الشريفين وسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز ولرجل الوفاء سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولأصحاب السمو الأمراء أخوان الفقيد وأبنائه وللشعب السعودي على هذا المصاب الجلل.
www.salmogren.net