|
رأينا كيف ينظر سلطان بن عبدالعزيز إلى إخوانه الذين يكبرونه سناً نظرة إجلال وتوقير وولاء ووفاء، من خلال الفصول التي عرضنا فيها لعلاقته بإخوانه الملوك السابقين سعود وفيصل وخالد وفهد، وما حققه من إنجازات في عهودهم، وفي ظلال توجيهاتهم السديدة.
وعلى درب المحبة والتوفير والوفاء نفسه سار سلطان بن عبد العزيز مع أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولا عجب أن يتوارث هؤلاء الأبناء هذا الخلق العظيم الذي تعلّموه في مدرسة أبيهم الملك عبد العزيز، حيث اعتادوا احترام وتوقير من يكبرهم سناً من إخوانهم ولو بيوم واحد. إنها مدرسة القيم النبيلة والدين القويم والعروبة الأصيلة، مدرسة الملك المؤسّس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي لم يكن مؤسس مُلك في جزيرة العرب فحسب، بل كان مؤسس مدرسة أخلاقية عظيمة ترسم القدوة الصالحة للأبناء توارثها الآباء والأجداد.
إنه سلطان بن عبد العزيز الأخ الإنسان يقف إلى جوار الملك عبد الله، معه دائماً في القلب قبل المكان، أقرب إليه من ظله ومطيع له مثل قلمه بيده. كم مرة شوهد يرسم القدوة الرائعة وهو يسعى بين يديه بالسمع والطاعة لأمره، إنها طاعة الأخ لأخيه الأكبر، والجندي لقائده .. ما أكثر ما شوهد سلطان حول عبد الله يحفه بالاحترام ويحوطه بالحب ويفديه بمهجة القلب. وقد بادله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز حباً بحب ووفاء بوفاء.
ولن ينسى المواطنون لسلطان عظمة مواقفه وروعة أخوّته؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر في حفل تسليم جوائز الملك فيصل العالمية سنة 1408هـ وأمام جمهور يزيد على 500 شخص شاهد الناس جميعاً خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - ولي العهد آنذاك - يهم بتناول كوب ماء أمامه على المنضدة التي تبعد عنه حوالي نصف متر، فإذا بأخيه سمو الأمير سلطان يسبقه إليه، ويتناوله فيقدمه إليه منحنياً له بإجلال واحترام فيتناوله منه الملك عبد الله ناظراً إليه بعين ملؤها الحب والإعجاب بوفاء سلطان وفروسيته ومحبته.
إنّ من يتتبّع هذه العلاقة التي جمعت بين جميع أبناء الملك عبد العزيز عامة وبين عبد الله ابن عبدالعزيز وولي عهده سلطان بن عبد العزيز، يجد فيها مثال الأخوّة الخالصة والوفاء النبيل والمحبة العميقة والإيثار العظيم.
ورغم المقامات العالية التي بلغها كل أبناء الملك عبد العزيز، وبلغ سلطان بن عبد العزيز ما بلغه من سن ومرتبة، إلاّ أنه يصر على مخاطبة إخوانه الأكبر منه سناً (بسمو سيدي) فلنتأمل هذا الأدب الجم الرفيع - على سبيل المثال - في كلمة أشاد فيها سمو الأمير سلطان بموقف الملك عبد الله (ولي العهد آنذاك) من القضية الفلسطينية: يقول سلطان:
(أعتقد أن سمو سيدي الأمير عبد الله ولي العهد أدى واجباً كبيراً في إيضاح موقف المملكة من هذه القضية للولايات المتحدة).
وفي وضع آخر يقول: (موقف المملكة في مؤتمر القمة الذي تبرع فيه سمو سيدي الأمير عبد الله ولي العهد بمبلغ 250 مليون دولار لإخواننا الفلسطينيين سواء للقدس أو للشهداء يعني أن سموه عمل هذا حتى لا يكون مصدر إزعاج لجميع إخواننا العرب).
ومثال آخر على طاعة ولي الأمر والحرص على تنفيذ توجيهاته على أكمل وجه، ومتابعة ذلك عندما أرسل الملك عبد الله بن عبد العزيز - ولي العهد آنذاك - خطاب تعميم في شهر ذي الحجة 1422هـ حول الملاحظة أنّ كثيراً من المعاملات التي يصدر توجيه سام حيالها أو تتضمّن حقوقاً للناس لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ بشكل عاجل يحفظ الحقوق ويصونها، وبالتالي تكثر الشكاوى والتظلمات.
رفع سمو الأمير سلطان إليه خطاباً يتضمّن حرص سموه على العمل، مما جاء في خطابه وما قاله الأمير سلطان في هذا:
(أشير إلى أمركم الكريم رقم 973 في 20 - 11 - 1422هـ حول الملاحظة أن كثيراً من المعاملات التي يصدر توجيه سام حيالها أو تتضمن حقوقاً للناس لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ بشكل عاجل يحفظ الحقوق ويصونها وبالتالي تكثر الشكاوي والتظلمات، إضافة إلى الملاحظة على كثير من الجهات الحكومية رفعها لطلب اعتمادات مالية خارج الميزانية رغم الوضع المالي المعروف. وكذلك ما لوحظ من استمرار بعض الجهات الحكومية في تأخير رفع ما لديها من مواضيع تستدعي البت فيها من قِبل المقام السامي أو رفعها بشكل آخر لا يعطي صاحب القرار فرصة تمكنه من النظر في الموضوع بكامل خلفياته.
سيدي إنّ ما ورد في الأمر الكريم بعاليه من توجيهات وما تضمّنه من استشهادات لهو خير دليل عل استشعار سموكم الكريم لعظم المسؤولية ونقل الأمانة التي أولاكم الله إياها متخذين من كتاب الله تعالى نبراساً ينير لكم الطريق، ولقد وضعتم حفظكم الله نصب عينيكم طاعة الله وإعلاء دينه واستجابة أوامره في المقام الأول تلك التي يوفق من خلالها الراعي وتسعد بها الرعية) (1).
ومن المواقف الإنسانية المؤثرة في سجل الأخوّة والمحبة العظيمة التي تجمع بين سلطان بن عبدالعزيز وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، موقف الملك عبد الله أثناء وجود أخيه سلطان في المستشفى بعد العملية الجراحية التي أجريت له في 14 ربيع الأول 1425هـ لإزالة حويصلة من الأمعاء بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة. شاهد الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع عبدالله بن عبد العزيز يرابط إلى جوار أخيه سلطان يناوله الدواء بيده الكريمة، وينظر إليه بحب وحنو ويتردد عليه كل يوم ليضرب بذلك المثل الأعلى في محبة الإخوة وكأنّ لسان حاله يقول:
أخاك أخاك إنّ من لا أخاً له
كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
وهكذا كانت الزيارات اليومية المتكررة التي قام بها عبد الله بن عبد العزيز لأخيه سلطان ابن عبدالعزيز أثناء وجوده بالمستشفى وشاهدها الناس في كل مكان، خير دليل على نوع التربية التي نشأ عليها أبناء الملك عبد العزيز، وعلى نوع الدروس الخلقية الرفيعة والقيم الأصيلة التي تلقّوها في مدرسته العظيمة.
ولم يكن الملك عبد الله بن عبد العزيز - ولي العهد آنذاك - يجسِّد بذلك الموقف روح الأخوّة الصادقة الحقة فحسب، بل كان يعبِّر عن كل القيم الأصيلة التي توارثتها الأسرة السعودية أباً عن جد، وتمسّك بها الشعب السعودي عاضاً عليها بالنواجذ يعلّمها الكبير للصغير ويعمل بها الجميع.
عبد الله بن عبد العزيز ملكاً..
وسلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد
وبعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكاً على البلاد في 28 - 6 - 1426هـ الموافق 3 - 8 - 2005م خلفاً لأخيه الملك فهد بن عبد العزيز - طيَّب الله ثراه - أصبح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد بالمحبة والولاء والوفاء لأخيه الملك عبدالله بن عبد العزيز وللشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية. وليس أدلّ على ذلك من المعنى الذي عناه في الكلمة التي نعى فيها أخاه الملك فهد مشيداً بمناقب خلفه الملك عبد الله:
(أتوجّه إلى الشعب السعودي الذي بادل مليكه الراحل الحب والوفاء وإلى أمتنا العربية والإسلامية، بخالص العزاء والمواساة في فقيدنا الغالي تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.
وعزاؤنا جميعاً في أنّ المولى عز وجل قد عوضنا خيراً بمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز - حفظه الله -، الذي كان عضداً أميناً لفقيدنا الراحل وسخّر كل وقته لخدمة دينه ووطنه وأمته، بكل ما أتاه الله من قوة وثبات على الحق، وستستمر المملكة العربية السعودية - إن شاء الله - بقيادة مولاي - أيّده الله - في مسيرتها الخيّرة؛ مسيرة النماء والعطاء متمسكة بكتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -).
رسالة من سلطان
عن وفاء الملك عبد الله
وبعد مرور عام على وفاة الملك فهد - رحمه الله - ومبايعة الملك عبد الله وجّه سلطان بن عبدالعزيز رسالة آية في الوفاء للسلف والولاء للخلف وذلك بتاريخ 26 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 22 يونيو 2006م هذا نصها:
(سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز - أيّده الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد اقتضت إرادة الله المولى عز وجل أن يختار إلى جواره قبل عام أخاكم، وصديق عمركم، الملك فهد، أسبغ الله عليه شآبيب رحمته، وبايعكم أبناء شعبكم الوفي على كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مجددين لكم عهد الولاء والوفاء في السرّاء والضرّاء، فتوليتم المسؤولية التاريخية، والأمانة العظيمة، حاملين هموم شعبكم وآماله وتوجهتم إلى الباري - عز وجل - سائلينه جلت قدرته أن يمنحكم القوة على مواصلة السير في نهج جلالة الملك المؤسس عبد العزيز - تغمده الله بواسع رحمته - وعاهدتم الله، ثم شعبكم، على أن تتخذوا القرآن الكريم دستوراً والإسلام منهجاً، وأن تجعلوا هدفكم إحقاق الحق وإرساء العدل، وخدمة المواطنين كافة، فاستجاب المولى لدعواتكم النابعة من قلب صادق وصدر واسع رحب لا مكان فيه إلا للخير، ولا همّ له إلا إرضاء المولى وخدمة دينه ثم الارتقاء بهذا الوطن العزيز.
لقد آليتم على نفسكم يا سيدي أن تبذلوا كل غال ونفيس في سبيل أمن ووحدة واستقرار هذا الوطن العزيز، ورفاهية مواطنيه، وأعلنتم أن شفيعكم فيما تقومون به أمام الخالق - جل جلاله - أن عملكم هو اجتهاد المحب لأهله، الحريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه، ووعدت فوفيت، وبنيت خلال هذا العام ما يتطلّب سنوات طويلة لتشييده، وبدأتم أعمالكم الخيرة في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة بإعلانكم - حفظكم الله - عن استكمال المشاريع المتبقية فيها.
وتليتم ذلك بتفقدكم لشؤون مواطنيكم، فأمرتم بزيادة رواتب العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، واتخذتم قراراتكم الرامية لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتخفيف الأعباء المادية عليهم.
وكنتم يا سيدي، ولازلتم، العين الساهرة على أمن هذه البلاد وواجهتم كافة التحديات بصبر وعزيمة لا تلين، وأعلنتم عن أنه لا تهاون في العقيدة والوطن، وأنه لا مكان في بلاد الحرمين للتطرف، ولا تسامح مع كل من يريد الإفساد في الأرض، وشملتم بفضائلكم كل من رجع إلى الصواب بعد أن حاد عن الطريق، فأصدرتم عفوكم الشامل لهم فوقف أبناء شعبك صفاً واحداً مع جنودك رجال الأمن البواسل، في وجه كل من عميت بصيرته وسعى إلى الهدم، ومضيتم في مسيرة التطوير والبناء، وجاءت بشائر الخير على أياديكم فمنّ الله على الدولة بأضخم ميزانية في تاريخها، ووجهتم بصرفها في كل ما يعود بالنفع للوطن والمواطن في جميع المجالات، بما في ذلك قطاع الصحة والتعليم، والخدمات الاجتماعية، ووضعتم الأسس الراسخة - بإذن الله - لنقل المملكة العربية السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة صناعياً.
ولم يصرفكم ذلك كله عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، التي حملتم همومها فتقدمتم بمبادرة للسلام لم تحز على تبني الأمتين العربية والإسلامية لها فحسب، بل أيّدتها جميع دول العالم المحبة للسلام، وها أنتم كعادتكم تواصلون جهودكم الحثيثة مع قادة دول العالم لوقف الاعتداءات السافرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
فلله سبحانه وحده الحمد والمنّة، الذي أنعم على هذه البلاد بقيادتكم الحكيمة، وله - جل جلاله - الشكر على توفيقه لكم في أعمالكم العظيمة.
لا أريد أن أطيل عليكم يا سيدي فالكلمات تعجز عن التعبير عما يجيش في الصدور، ويختلج في القلوب، ولا يسعني إلا أن أتوجّه لله بالدعاء أن يحفظكم ويرعاكم، ويمد في عمركم وأن يجزيكم خير الجزاء على ما قدمتموه وتقدمونه لشعبكم ولأمتكم العربية والإسلامية، وأسأله سبحانه أن يديم على هذا الوطن العزيز أمنه واستقراره، وأن يبقيكم ذخراً لهذه البلاد وللإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
أخوكم - سلطان بن عبد العزيز (2)
برقية من خادم الحرمين الشريفين لسمو ولي العهد
وكان أن وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، برقية جوابية لأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، فيما يلي نصها:
( أخي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرجو لسموكم موفور الصحة والعافية .. فقد تلقينا برقية سموكم المؤرخة في 26 - 6 - 1427هـ شاكرين ومقدرين ما تضمّنته من مشاعر أخوية فياضة، ومعانٍ كريمة، ودعوات صادقة، بمناسبة مرور عام على تولينا مقاليد الحكم بعد وفاة أخينا الملك فهد - تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته -، وهي ولا شك مسؤولية ضخمة وأمانة ثقيلة أمام الله سبحانه، وأمام شعبنا ووطننا، ندعو الله - جل وعلا - أن يعيننا على تحملها وعلى السير على نهج مؤسس هذه الدولة جلالة الملك عبد العزيز - تغمده الله برحمته ورضوانه - .
ولقد عاهدنا الله - جل وعلا - أن نبذل كل ما نستطيعه من جهد لخدمة ديننا الذي هو عصمة أمرنا وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه لشعبنا، والعمل على إقرار السلام في المنطقة، رغم كل التحديات التي تواجهنا، واستئصال شأفة الإرهاب والفساد، والوقوف في وجه كل منحرف ضال يحاول العبث بأمن هذه البلاد واستقرارها، مستمدين من الله العون، وسائلينه التوفيق لكل ما فيه خير بلادنا ورفعتها، وراحة شعبنا ورفاهه، وإعلاء شأن الإسلام والمسلمين. إنه ولي ذلك والقادر عليه .. والله يحفظكم ويرعاكم) (3).
أخوكم - عبد الله بن عبد العزيز
الملك عبد الله والأمير سلطان
وحدة متكاملة
ومنذ ذلك التاريخ وامتداداً لسنوات سابقة من التعاون والإخاء، تحوّل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده أخوه سلطان بن عبد العزيز إلى وحدة متكاملة في الشعور والفكر والعمل والإدارة والإخلاص، يكملان بعضهما بعضاً، ويقودان مسيرة النماء والازدهار بيد واحدة على الدرب نفسه الذي سار عليه والدهما المؤسس العظيم ومن بعده إخوانهما الملوك الميامين سعود وفيصل وخالد وفهد. وهكذا أصبح عهد عبد الله وولي عهده سلطان عهداً مباركاً استبشر به الناس، تضاعفت فيه الجهود، وزاد فيه العطاء، وتقوّت به اللُحمة بين القيادة والشعب.
وشعر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بمؤازرة أخيه وولي عهده سلطان بن عبد العزيز على أصدق ما يكون الولاء وأعظم ما تكون الأخوّة، وأبرز أمثلة الوفاء، وبدت وكأنها ترجمة عملية للآية الكريمة التي خاطب بها رب العالمين نبيه موسى عليه السلام بخصوص أخيه هارون: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ...} (35) سورة القصص.
وقد عبَّر سلطان بن عبد العزيز عن هذا التعضيد بأنه ليس منه وحده لمليكه، بل من الشعب السعودي كله والأمة العربية والإسلامية بأجمعها، وعلّل ذلك بقوله:
(يحظى أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أمدّ الله في عمره في خدمة دينه ووطنه وأمته - بمكانة كبيرة في نفوس أبناء الشعب السعودي الأبي، كما يحظى بمحبة العرب والمسلمين، واحترام زعماء العالم. وليس أدلّ على ذلك من احتفاء كل مناطق بلادنا الطاهرة به، منذ مبايعته خادماً للحرمين الشريفين وملكاً للمملكة العربية السعودية وإلى الآن، واستبشارهم بمزيد من الخير والازدهار على يديه المباركتين. وكذلك الترحيب الذي لقيه من حكومات وشعوب البلدان التي طاف بها شرقاً وغرباً منذ مبايعته ملكاً على البلاد، بل والرحلات التي سبقت مبايعته بسنوات طويلة، كان فيها عبد الله بن عبد العزيز أميراً وملكاً، رجل سلام يتجوّل داعياً للسلام بين مختلف الدول، وحريصاً على ما يثمر الإنجازات المفيدة والعظيمة) (4).
عهد الأخوّة الصادقة والإنجازات المباركة
وعلى مستوى الإنجازات التي تحققت في هذا العهد المبارك عهد الملك عبد الله بن عبدالعزيز على يد سمو الأمير سلطان، فإنها أكبر من أن تُحصى على قِصَر المدة. فعلى مستوى القوات المسلحة تحققت إنجازات كبيرة لصالح السلاح الجوي وقوة الدفاع الجوي والقوات البرية والبحرية. ففي ربيع الأول 1429هـ، دشّن الأمير سلطان مركز تحديث الطائرات بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية بالظهران، ووضع حجر الأساس للمنطقة الفنية لطائرات التايفون المقاتلة، وهو مركز جديد لتحديث وتجميع منظومات طائرات القوات الجوية الملكية السعودية، وذلك على طريق إستراتيجية الملك عبد الله في توطين التقنية وتدريب وإشراك الفرد السعودي ومشاركة شركات التوازن الاقتصادي. ويقوم المشروع على مساحة 300.000 متر مربع.
وفي جمادى الآخرة 1430هـ تم تدشين أول طائرتيْ (تايفون) من طائرات القوات الجوية الملكية السعودية البالغ عددها 72 طائرة بمقر الشركة البريطانية للطيران والفضاء بمدينة وارتن البريطانية. وفي تصريح لوسائل الإعلام قال الأمير سلطان: إن ما نراه هو أول مجموعة من 72 طائرة تايفون ستصل المملكة، وهي خطوة رئيسية في نمو القوات الجوية الملكية السعودية، العنصر القوي لعملية الدفاع عن دول الخليج العربي).
إن طائرات التايفون، تؤكد أن المملكة لديها واحدة من أفضل القوات الجوية في الشرق الأوسط، وقيادتنا لديها الحكمة في استخدام هذه القوات بالشكل المناسب، وستواصل هذه القوات المساهمة في استقرار المنطقة).
كما شهد عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز اهتماماً بالصناعات الحربية ودعماً لسمو الأمير سلطان في هذا المضمار، فكان افتتاح معرض القوات المسلحة للمواد الحربية وقطع الغيار 2010م، الذي كان تدشيناً لنقلة كبيرة شهدتها الصناعات الحربية في هذا العهد المبارك، الذي شهد أيضاً أكبر تحديث في تاريخه لطائرات الدفاع الجوي السعودي.
وقد حدد سمو الأمير سلطان الإستراتيجية الجديدة التي بدأ بها عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بقوله: (إن اهتمامنا بالتصنيع المحلي بدءاً بتصنيع قطع الغيار والمواد العامة، يمثل الخطوة الصحيحة في اتجاه التصنيع الحربي الكامل وهو حلم ليس ببعيد، فلا تنقصنا العقول المبدعة ولا الموارد البشرية، أو المادية، ولا الإخلاص والعزيمة، ولا الرغبة في التفوق والإرادة في الريادة، فكلها عوامل متوافرة). وأضاف سموه قائلاً: (تستهدف محاولاتنا الجادة تصنيع قطع غيار ومواد بجودة عالية ونوعية متميزة لتحقيق الترشيد في الإنفاق والاكتفاء الذاتي ثم التصدير الخارجي، فضلاً عن نقل التقنية وتوطينها، وهو هدف طالما سعت إليه قيادتنا الحكيمة في المجالات كافة، كل ذلك في ظل ثقة متبادلة بين القوات المسلحة والقطاع الخاص وخدمة للمصلحة العامة التي نتوخاها جميعاً، وهي توسيع القاعدة الصناعية في القطاع الخاص، وإعداد كوادر عالية التأهيل الفني والمهني، وزيادة التنافسية الحرة ما يؤدي إلى الجودة والإتقان وإيجاد فرص استثمارية وتشجيع مشروعات الأعمال المحلية الصغيرة، والمساعدة في القضاء على البطالة بخلق فرص عمل للشباب بما يسهم في حل مشكلات اجتماعية متعددة كالعنوسة والعنف والمخدرات، فضلاً عن تحقيق الربحية في مؤسسات القطاع الخاص ونموه وتطوره. إن أهم الأهداف هو كسر احتكار تصنيع قطع الغيار وطول مدة التوريد والإصلاح والإعادة من المصادر الخارجية، وما يترتب على ذلك من تأثير في القدرة القتالية لقواتنا المسلحة). (5).
وعندما بدأ الاعتداء الإرهابي الغاشم من المتسللين الحوثيين على حدودنا مع اليمن الشقيق، كانت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله واضحة وصريحة، وكان التنسيق بينهما مستمراً طوال الوقت من أجل حل الأزمة بأقل خسائر ممكنة في الأرواح التي هي أغلى ما نملك. وفي هذه الأثناء وجّه سمو الأمير سلطان خطاباً تاريخياً عن تفويض خادم الحرمين له في هذا الشأن:
أيها الإخوة:
إن المملكة العربية السعودية دولة كانت ولا تزال دولة سلام، ومحبة له، وكم عملت عليه وصنعته لكثير من الأوطان ولها سجل حافل من الأيادي البيضاء في جميع دول العالم في هذا المجال، ولكن مع شديد الأسف وجدنا أنفسنا أمام موقف فرض علينا وليس أمامنا إلا أن نواجهه بعزة وكرامة.
إننا وإذ ندافع عن بلدنا، فإننا نرصد ونصد ونردع كل من يحاول المساس بسيادة وطننا ومواطنيه والمقيمين عليه، ولا أخفيكم بأنه يحز في خواطرنا هذا الفعل المشين ومثل هذه المناوشات التي ليست من مصلحة أحد، لأن أي قطرة دم تراق من الطرفين تدمي قلوبنا، والدم العربي المسلم غالٍ وعزيز على قلوبنا، وكنا نتمنى ممن يقاتلوننا أو من يحرّضونهم على القتال، لو وجهوا سلاحهم باتجاه أعدائنا لا أن تكون البندقية باتجاهين متضادين، والعالم من حولنا يسارع الخطى في البناء والتطور وكان الأولى بهؤلاء المتسللين لو ساهموا في بناء بلدهم وانضموا إلى قيادته العزيزة التي لا تود إلا كل الخير لجميع الشعب اليمني، واعلموا وأنتم تقومون بواجب الدفاع عن وطنكم، بأن الله معنا، والعالم كله معنا، لأننا لم نعتد على أحد، ولا نرضى بأن يكون رجالنا قوة شر ضد الأشقياء، بل قوة خير وسلام. لقد كنت في يوم السبت الماضي بين أبنائي المصابين في مستشفى القوات المسلحة في الرياض، وقد أذهلني ذلك الإصرار العميق، والعزيمة الصادقة لدى كل واحد منهم وهم يتمنون الشفاء العاجل ليعودوا إلى أرض المعركة إيماناً منهم بصدق العقيدة ووضوح الهدف، وتأكدوا جميعاً أن كافة أسر الشهداء والمفقودين والمصابين هم في عيون قائدهم الملك عبدالله بن عبد العزيز الرجل الفذ، الحريص على كل فرد منهم، فلمقامه الكريم خالص الشكر وعظيم التقدير باسمكم جميعاً، والشكر موصول لجميع القادة العسكريين ولجندهم الميامين، والله أسأل أن يتولانا جميعاً بعطفه ورحمته، وأن يمنّ بالفردوس لجميع القادة العسكريين ولجندهم الميامين، وأن يكتب السلامة لمفقودينا، والشفاء العاجل لمصابينا، والنصر المبين لوطننا الغالي.
أنا مفوّض من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رعاه الله - بأن أقوم بخدمتكم جميعاً، وسيتولى الابن خالد ورئيس هيئة الأركان العامة متابعة كل احتياجاتكم الخاصة والعامة ولا تترددوا، أنا منكم وإليكم في الصغيرة والكبيرة وأشهد الله بحبكم وتفانيكم وإخلاصكم في أداء واجباتكم والله ينصركم على أعدائكم». (6).
وهكذا كان قرار تطهير أراضي المملكة من المتسللين قراراً سعودياً وبقيادة سعودية وبدون أي تدخل خارجي. وتم القبض على آلاف المتسللين وردعهم، وكان لابد أن يستشهد عدد من أبنائنا الأبطال لكون المعركة ليست بين جيشين نظاميين، بل بين جيش نظامي وعصابات قناصة تقوم على الكرِّ والفرِّ، ولكن النصر في النهاية كان لنا بعون الله وتوفيقه وتأييده.
وعلى مستوى خدمة العلم والتعليم، سجل التاريخ بأحرف من نور البرقيتين المتبادلتين بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وأخيه سمو الأمير سلطان ولي العهد بمناسبة افتتاحه لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية:
أخي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تلقينا كتابكم المؤرخ في 5-10-1430هـ الذي حمل إلينا مشاعركم الكريمة تجاهنا وتجاه ما قمنا به نحو ديننا ووطننا والذي تجسّد في بعض معانيه فيما أقمناه من صرح علمي عالمي حاضنته جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، والتي نأمل أن تكون منارة علم يستفيد منها أبناء وطننا فيما يعود نفعه على ديننا ثم بلادنا والعالم أجمع، من خلال تمازج الأفكار والعلوم. ويعلم الله أننا في توجهنا هذا لا نسعى إلا لخدمة ديننا وبلادنا وأهلنا في محيط من القيم والأخلاق والأصالة، لتعزيز مفاهيم العطاء العلمي تجسيداً على تراب أرضنا الطاهرة.
وكم كانت سعادتي بالغة أن يتزامن افتتاح الجامعة مع ذكرى اليوم الوطني الذي نستذكر فيه كفاح وعزيمة مؤسس دولتنا الحديثة الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-. وخليق بمثل هذه الجامعة أن تكون رمز وفاء لموحِّد دولتنا الذي أفنى عمره في سبيل الله -جل جلاله- ثم تجسيد حلمه الوحدوي الذي حمله هاجساً ملحّاً وتوّجه بقيام دولتنا الحديثة المملكة العربية السعودية، فوفاء لهذا الرجل العظيم نقدم هذه الجامعة كبعض قطاف زرعه معلماً حضارياً وإنسانياً وعلمياً لعلنا بذلك نفيه بعض حقه من الوفاء.
هذا وتقبلوا خالص تحياتي وتقديري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام قد رفع البرقية التالية لخادم الحرمين الشريفين:
سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في يوم احتفائنا بالوطن، في يوم الوطن الغالي، وبما يحمله هذا اليوم من معان وقيم (ويجسده من أعمال وإنجازات)، وما تزامن به هذا اليوم التاسع والسبعون من افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بحضور حشد كبير من قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة، وشخصيات عالمية بارزة، وعلماء وباحثين من مختلف دول العالم، الذي تحقق على أرض الحرمين الشريفين، ونبارك للوطن، هذا الإنجاز العلمي العالمي، الذي تحقق على أرض الحرمين الشريفين، وتحقق على أرض الواقع، بعد أن كان حلماً راودكم خلال خمسة وعشرين عاماً وتحقق في زمن قياسي، بفضل الله، ثم بفضل توجيهاتكم ورؤيتكم في تأسيس هذه الجامعة العالمية.
إنني - يا سيدي- أشعر بالغبطة والسرور ونحن في المملكة العربية السعودية نشهد ملحمة تأسيس هذه الجامعة وافتتاحها ضمن مشروع وطني كبير تزامن هذا العام مع ابتهاجنا باليوم الوطني لبلادنا، ولا شك أن شهادة من شرّف حفل افتتاح هذه الجامعة هو وسام تقدير لنا، وتعبير عن ما يحتله شخصكم -حفظكم الله- من تقدير عالمي ومكانة بارزة في التاريخ المعاصر للمنطقة والعالم، وتقدير آخر لمستوى وتقدم هذه الجامعة وعالميتها، بأهدافها وتوجهاتها وبرامجها في خدمة العلوم والتقنية في الحياة الإنسانية.
سيدي خادم الحرمين الشريفين:
لقد عرفتك شغوفاً بالوطن، مخلصا للعقيدة، وفياً للأمة، محباً للإنسانية، وحريصاً على العلم وأهله، فسخرت يا سيدي ما تملك من مال وجهد ومكانة للتوفيق بين الحضارات ولنشر قيم العدل والتسامح، وعملت على تقديم الحوار سبيلاً لحل النزاعات وتبديد الخلافات وفتح قنوات التعاون الحضاري بين الأمم والشعوب، فعرفكم العالم قائداً ملهماً وسياسياً حكيماً، داعياً للسلام، مبشراً بالخير عطوفاً على الفقراء، وحريصاً على العلماء، تفيضون إنسانية ورحمة، فأتت هذه الجامعة رمزاً لتلك الجهود، وثمرة نقطفها اليوم، بعد أن ولدت حلماً، وتربت فكرة، وتجسدت مشروعاً، رعيتموه لبنة لبنة وخطوة خطوة، إيماناً منكم -حفظكم الله- بأهمية وأفضلية العلم كما في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}.
وقد جاءت هذه الجامعة لتجسد رغبة منكم في إحياء ما صلح به أول هذه الأمة وساد، لتستوي اليوم شامخة بدعمكم، تعمل لخدمة شعب المملكة، وتنهل منها شعوب العالم، يجتمعون في رحابها، يربط بينهم رحم العلم، ويجمعهم الأمل، مصداقاً لقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، متطلعين لأن يقدموا للبشرية ما ينفعها ولا يضرها، يتعارفون في محيطها، ويتواصلون بنور علمها، ويتنافسون بأدواتها، ثم ينتشرون في العالم رسل رحمة، ودعاة خير وبناء وتنمية للإنسان.
يا سيدي.. إن هذه الجامعة ما هي إلا لبنة واحدة في مشروعكم الوطني الكبير للتحديث، فلقد شيدتم المدن الصناعية، ودعمتم الأبحاث والكراسي العلمية، وضاعفتم عدد الجامعات السعودية، وبنيتم اقتصاداً يقوم على المعرفة، واستثمرتم في الإنسان تعليماً وتدريباً وتوظيفاً لأنه ثروة الوطن التي لا تنضب، ونحمد الله أن بلادنا اليوم جنباً إلى جنب في صفوف دول متقدمة، ونسير بها بجد وعزيمة نحو العالم الصناعي الأول، وقد أخذنا بالأسباب المادية متوكلين على الله، ثم متسلحين بعزيمة المؤمن التي لا تلين.
إنني أشعر بغبطة كبيرة وأنت -يا سيدي- تحقق بعض أحلامك الكبار، وأسأل الله العلي القدير أن يتحقق على يديك الكريمتين وفي عهدك الميمون، المزيد مما خططت له لصالح هذا الشعب الوفي والوطن العظيم -حفظك الله- ذخراً وللإنسانية ملكاً متوجاً، وأمدّك بعونه ورعايته، وأنعم عليكم بالصحة ومزيد من التوفيق. (7).
ولا شك أن الدارسين والباحثين سيقفون طويلاً في تأمل المعاني العميقة والمشاعر الصادقة التي عبّر عنها هذان الأخوان العظيمان في رسالتيهما، وانعكاس ذلك على الوطن الذي يقودانه والأمة التي يحبّانها.