لا أحد يعرف ما الذي يريده المصريون من ثورة مصر. حقق لهم المجلس العسكري ما أرادوا، وهو محاكمة حسني مبارك، ومحاسبته عن ثلاثين عاماً من الحكم؛ فجاء محمولاً على سريره الطبي إلى قاعة المحكمة.
شاهد ملايين المصريين الرجل الذي لم يعرفوا حاكماً غيره، وهو كسير يحك أنفه، ويقول للقاضي بصوت متعب: «حاضر يا فندم».
رغم ذلك لم تنتهِ المشكلة، ولم يقتنع الثوار بأن البلد دخل في حالة جديدة، بل أصروا على حفلة انتقام كبيرة، أزعجت الجيران بلا استثناء. ثورة 25 يناير تبدو من بعيد وكأنها ثورة تلفزيونية، أكثر من كونها عملية تغيير سياسي، ولا أحد يعرف أين الريموت كونترول، الذي لا يزال ضاغطاً على قناة الثورة، ويعرض تفاصيلها.
الأصوات كثيرة، والأسئلة أكثر، ولا أحد يملك الإجابة.
المشهد في العالم العربي، ومصر قلبه وقالبه، مشوش حتى الآن. معروف أن الثورات تحتاج إلى سنوات حتى تنتقل الثورة إلى دولة، والثوار إلى رجال حُكْم، ولكن لا أحد يعرف إن كانت مصر ستتحمل فترة وصول القطار إلى محطته أم أنها ستتفكك قبل ذلك، وتتعب، وتدخل في غيبوبتها.
أراد ثوار الميدان إسقاط حسني مبارك، ونجحوا في فرض إرادتهم. أرادوا محاكمته، وأركان نظامه، فتم ذلك. أرادوا تجريد ابنيه ورفاقهما من الثروات التي تضخمت دون وجه حق، فتم لهم ذلك. الآن لا أحد يعرف ما هي الخطوة المقبلة، والأخطر أن الباب أصبح مفتوحاً أمام تيارات متطرفة، كي تخترق الثورة، وتسرق الشارع.
جماعة الإخوان المسلمين أكثر الأحزاب تنظيماً وفاعلية على الأرض. نسجت خيوطها منذ سنوات طويلة، عبر المسجد، والدين، والفقراء. لن تسمح هذه الجماعة، التي ذاقت الأمرين منذ تأسيسها لوائل غنيم ورفاقه القادمين من الغرب بسرقة كلمتهم في الحكم، ورغبتهم في السيطرة، وإضاعة حلمهم الذي كبر واشتد عوده أكثر مما كان عليه قبل نصف قرن. أما السياسيون السابقون مثل محمد البرادعي، وعمرو موسى، وأيمن نور، فلا يزالون أمام تحدي كسب شارع لا يريد أن يكسبه أحد، ورأي عام يريد إطالة أمد الصراخ؛ كي لا تتوقف حفلة الانتقام، وتصفية الحسابات القديمة.
يقول متكهن أصاخ له عثمان العمير السمع إن هنالك «بكباشي جديداً»، فيه نصف من عبد الناصر، ونصف من محمد علي، يراقب المشهد من بعيد، بخفة ثعلب، ونظرة نسر، وربما يخطف الثورة، دون أن يشعر به أحد.
شخصياً أعتقد أن عمرو موسى سيكون خياراً أفضل لمستقبل لمصر، نظراً لعلاقاته، وخبرته، ولغته القومية، التي يحب المصريون سماعها. إنه الوحيد الذي يستطيع أن يعيدهم إلى زمن عبد الناصر، ذلك الزمن الذي قال عنه تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية بعد أيام من الثورة إن نسبة كبيرة من المصريين يحنون إليه، يوم كانت بلادهم رائدة العالم العربي، وقائدته.
اعتقد عبد الناصر أنه أكبر من مصر، وساهم السادات في تقزيم مصر بعد كامب ديفيد، وأدخلها مبارك في غيبوبة طويلة، والآن يريد المصريون أن تعود مصر كما كانت، وكما يجب أن تكون، أم الدنيا.