لا يخفى على الجميع أن الكثير من عادات الإنسان وسلوكه وأساليب حياته هي ممارسات مكتسبة، وليست فطرية، ومنها عادة السلوك الاستهلاكي المسرف، خاصة لدى الأطفال والمراهقين، فهؤلاء أكثر من سواهم في حب التقليد والتغير وسرعة التأثر بغيرهم، وإذا لم يوجَّه هذا السلوك سينمو معهم ويكون جزءاً من طابع حياتهم، وهو دون شك يُعَدّ من العوامل المؤثرة سلباً في خطط التنمية لأن هؤلاء هم أبرز عوامل التنمية. ويؤدي انخفاض الوعي الاقتصادي لدى أفراد المجتمع إلى الإسراف في الاستهلاك وما ينتج منه مضاعفة الأعباء الاقتصادية على المجتمع، كما أن انعدام الوعي الاستهلاكي أو انخفاضه يقلل من استعداد الناس للاستثمار الذي يُعَدّ من القواعد المدعمة للتنمية الاقتصادية. ورغم أن الاستهلاك بحد ذاته سلوك طبيعي للإنسان للمحافظة على وجوده ولتلبية حاجاته ومتطلباته إلا أن الإسراف فيه يُعَدّ سلوكاً سلبياً وتبذيراً يحتاج إلى التدخل لإيجاد العلاج والحل المناسب. ووزارة التربية والتعليم ممثلة في مدارسها ومعلميها ومناهجها يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ترشيد الاستهلاك وتوجيهه الوجهة الصحيحة بدءاً من الطلبات المبالغ فيها من قِبل بعض المعلمين والمعلمات التي يُطلب من الطلاب والطالبات إحضارها، وتُسبّب عبئاً على أولياء أمورهم، وتُستغل من قِبل البائعين لها في رفع أسعارها نتيجة لكثرة الطلب عليها، ناهيك عن الجوانب السلبية التي تحدثها بين الطلاب المقتدرين وغير المقتدرين، وإشارتي إلى هذه النقطة لأهميتها الكبيرة رغم أنها ليست جوهرية في السلوك الاستهلاكي، ولكن ما أقصده أن عوامل التوجيه والإرشاد تلقى القبول أكثر عند الأطفال والمراهقين، وخصوصاً عندما تصدر من المدرسة، وتكون عوناً لأولياء الأمور في تعاملهم مع الترشيد في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها الأسرة؛ فنظرة إلى الطلبات التي يطالب الأطفال والمراهقون أولياء أمورهم بإحضارها إليهم، ولاسيما التي تتعلق بالتغذية والألعاب الترفيهية، نجد أنها عادة ما يكون المروج لها وسائل الإعلام، ويكون الضحية رب الأسرة الذي كثيراً ما يستجيب ويعمل على تحقيقها حتى وإن كانت على حساب وضعه الاقتصادي، وكذلك أيضاً المصروف اليومي الذي يعطيه ولي الأمر لأبنائه نجد أنه يتجاوز الحد المعقول، ويفتقد التوجيه من قِبلهم؛ لأنهم لا يحثوهم على التوفير وعمل صناديق للادخار داخل البيت تستقطع من مصروفهم اليومي، بمحض إرادة أبنائهمالذين يفترض أنهم هم الذين ينتهجون ذلك نتيجة توعيتهم من قِبل آبائهم، وهذا يؤكد أن البيت شبه غائب عنه هذا الوعي إلا القليل حتى وإن كانت الأسرة متعلمة ومثقفة، وهنا يأتي دور التعليم في نشر الوعي الاستهلاكي المتوازن الذي يلبي حاجة الأطفال والمراهقين. وقد لفت انتباهي توصيات وجدتها في رسالة ماجستير (السلوك الاستهلاكي وعلاقته بأساليب التنشئة الوالدية لدى الطفل السعودي في مدينة الرياض) للباحثة سلوى محمد هوساوي، وتتلخص فيما يأتي:
1 - عدم إرهاق الأطفال وأسرهم بإلزامهم بنوع معين من لوازم المدرسة وتخصيص جوائز تقديرية للأطفال الذين يحتفظون بلوازمهم المدرسية أطول فترة ممكنة.
2 - تشجيع نمط الادخار لدى التلاميذ والتلميذات من خلال إقامة مسابقة سنوية مخصصة لهذا الموضوع.
3 - إقامة مسابقة سنوية موضوعها صناعة أشياء مفيدة باستخدام مواد سبق استخدامها أو أقل الكميات الممكنة من المواد الأولية أو استخدام أقل الكميات الممكنة من الماء في إنجاز عمل ما، على أن يشترط في هذه المسابقة تحقيق فكرة الجمعية؛ وذلك لأن الأطفال في هذه المرحلة يتأثرون برفاقهم في مختلف المجالات، ومن بينها السلوك الاستهلاكي؛ فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال في هذه السن يصرون على أخذ مصروف يعادل مصروف رفاقهم؛ فاشتراكهم في أعمال جماعية يخدم هدفاً واحداً يجعلهم يقلدون بعضهم في النواحي المطلوب تعديلها في سلوكياتهم.
4 - تخصيص لقاءات تربوية للتلاميذ وأولياء أمورهم لتناول موضوع الاستهلاك وجوانبه الرمزية على وجه الخصوص بصورة مبسطة، التي من أهمها استخدام الاستهلاك بوصفه أسلوباً للتمييز الاجتماعي؛ فقد كشفت النتائج أن السلوك الفعلي للأفراد يختلف عما يبدونه من استجابات سريعة حول رموز الاستهلاك؛ فهم لا يقرون صراحة بفائدة الاستهلاك في حياتهم أو أن له أي بُعد رمزي، ولكن سلوكهم الفعلي يكشف ميلاً واضحاً لاستخدامه استخداماً رمزياً.
***
المراجع:
1 - السلوك الاستهلاكي وعلاقتـه بأساليب
التنشئة الوالدية لدى الطفل السعودي بمدينة الرياض - رسالة ماجستير لسلوى هوساوي.
2 - دور النشاطات المدرسية غير الصفية في
تنمية بعض المفاهيم التربوية لدى طالبات المرحلة الثانوية - رسالة ماجستير لبشرى الحمدان.
* * *
مكتب التربية العربي لدول الخليج