على الرغم من أن التوجه الدولي نحو التخصيص قد ارتبط بدرجة كبيرة بالأزمات المالية والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الدول، وبصفة خاصة الدول النامية، إلاَّ أن دوافع وأهداف التخصيص قد اختلفت من دولة لأخرى. ولعل الاختلاف في الدوافع والأهداف هو الذي أدى إلى اختلاف مفهوم التخصيص، وبالتالي منهجه من دولة لأخرى. ويمكن القول إجمالاً إن الهدف الأساسي للتخصيص هو تحـقيق مزايا تحويل مهمة توظيف الأصول من القطاع العام، حـيث يثبت أنها تستخدم بفاعلية أقل، إلى القطاع الخاص، حيث يتوقع أنها تستغل وتستثمر بكفاءة أكبر. وتأسيساً على هذه الرؤية الاقتصادية التي تدعمها التجارب العملية, يجب أن تؤدي عملية التخصيص إلى زيادة في المستوى الكلي للإنتاج وأن تدعم الرفاهية الاجتماعية. وبالإضافة إلى تأثيرها على مستوى إنتاجية رأس المال ومعدل النمو الاقتصادي في الأجل الطويل، فإن لعملية التخصيص آثاراً اقتصادية ومالية في الأجل القصير أيضاً. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الآثار المترتبة على أي سياسة أو إجراء اقتصادي في الأجل القصير، فإن ذلك يؤدي بالضرورة إلى النظر إلى الأجل الطويل باعتباره معياراً حقيقياً لنجاح أي إستراتيجية اقتصادية.
وللتخصيص في الأجل القصير أثر كبير في إرساء مفهوم كفاءة الأداء في الاقتصاد، إذ يسهم في إرساء ثقافة المحاسبة في المجتمع، وهو ما يصعب الوصول إليها في حالة سيطرة القطاع العام على النشاط الاقتصادي وضياع مفهوم كفاءة الأداء بين بيروقراطية السلطة والإدعاء بخدمة المجتمع. وقد أثبتت تجارب الدول أن مبدأ التخصيص يسهم في حسن توزيع الموارد الاقتصادية وبالتالي فهو يؤدي إلى حسن استغلالها واستثمارها. ولن تتحقق هذه المسألة إذا لم يكن في أجندة المخطط الاقتصادي اتباع أسلوب التدرج في نقل الاقتصاد إلى نظام السوق وتحرير الاقتصاد من قبضة القطاع العام. وأسلوب التدرج هو نهج يخلق آليات التكيف مع التغيير الذي يمر به المجتمع دون أن يترك فراغاً قد يقوض عملية التخصيص برمتها.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض.