في هذا الوقت، وبالتزامن مع أحداث هذا العام تحديداً، حيث تموت الشعوب ويُقتل الأطفال ويُمثّل بالنساء والمسنين، من أجل رجل واحد، من أجل أن يبقى حاكماً للأبد، ولا بأس أن يموت الشعب ويبقى هذا الحاكم وحده المهم أن يبقى، ولا بأس أن يكون مكروهاً ومنبوذاً فهذه النوعية لا تأبه لقضية محبة الشعب، فما يضيره أن يكرهه الجميع المهم أن يبقى؟!
من داخل هذه الأحداث كلها خرجت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للحوار الحضاري والتعايش السلمي، خلال احتفاليتها السنوية التي أقيمت هذا الأسبوع في دبي، بتسليم ميداليتها التكريمية للمشير عبد الرحمن سوار الذهب كاستحقاق تكريمي لإيثاره وتسليمه رئاسة الدولة في السودان لمن تم انتخابه من بعده نزولاً عند مبادئ الديموقراطية. وبالرغم من كونه رجلاً عسكرياً إلا أنه اعتزل العمل السياسي وتفرغ للأعمال الدعوية بعد تعيينه في منصب الأمين العام لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية.
ويرى سوار الذهب نفسه أقوى من مقعد السلطة الذي غلبه عن قناعة وثقة، لأن التشبث به يحول الحكام إلى سفاحين وجلادين لشعوبهم من أجل المحافظة على هذا الكرسي! في عام الثورات العربية الذي نعيشه ثمة أمور تبيّن لنا أن سوار الذهب رجل فريد من نوعه لذا فإنه فرض على الجميع احترامه، رجل خرج برضاه وترك مقعد السلطة ولم يكن مرغما بسبب انقلاب الجيش عليه، ولم يفكر بطريقة بشار الأسد، ومعمر القذافي، وعلي عبد الله صالح، هذه الطريقة التي تنتهج خط «أنا ومن بعدي الطوفان».
لا أريد أن أكيل المديح لهذا الرجل، فهو ترك كل شيء وهو في عز قوته ولا أعتقد أنه يبحث عن هذا وهو في عقده التاسع، فقد أعرض عنه باختياره، وما رسخه هو درس لم تتضح قيمته إلا في هذه الأيام، وما قام به هذا الرجل الذهبي يثبت أن العقل العربي بخير ويستطيع أن يتقدم وأن يصنع الديموقراطية وأن يدفع بلاده للصفوف الأولى.
إن ما قامت به الشعوب العربية خلال الأحداث الأخيرة دليل على قدرة الإنسان العربي الشعبي على صناعة الحدث وتنفيذ ما يريد، وحتى ما واكب هذه الثورات من شعارات متجددة وطرائف تسخر من الأنظمة الدكتاتورية.
العقل العربي لم يعاني أبدا من مشكلة، ولو نظرنا لحال ليبيا على مدى القرن الماضي وكيف كانت تحمل التطور الفكري والاجتماعي ورمى بها القذافي إلى العصر الحجري، وإلى سوريا ونظامها الديموقراطي ومداورة السلطة بين الأحزاب السياسية قبل خمسين عاما مثلا، وكيف تحولت في الوقت الراهن إلى دولة متأخرة على المستوى العربي.
مشكلة العالم العربي هو تلك الأجساد الهابطة بالبرشوت على كراسي السلطة وقدر لها من البداية أن تحكم بالظلم، وأن تتلاعب بمقدرات الشعوب وبثقافتها، وكلها أتت في أوقات متقاربة وأثرت على بقية الدول العربية خصوصا وأن الثقافة المصرية على سبيل المثال أو الدور المحوري الذي كانت تلعبه مع سوريا إبان الوحدة وما سبقها وما تلاها كان لها القدرة في التأثير على الموقف العربي وعلى ثقافته، ودليل على أن تلك الأنظمة بعد أن هبطت على رأس الهرم تسببت بالفعل في تأخر الشعوب العربية رغم ما تمتلكه من إمكانات هائلة في السابق وتضاءلت بسب تلك الرؤوس المتسلطة.
سوار الذهب كان اسم على مسمى وهو يثبت لذوي انتخابات 99.9 بالمائة أنهم مجرد رؤوس نحاسية امتلأت بالكراهية ضد شعوبها والغش والخداع والطغيان ووقفت ضد الشعوب حين تحررت من خوفها وقالت لا للظلم بالرصاص، وأن سوار الذهب حين قال هو لا للسلطة تأتي المنظمات تباعا لتكريمه، فشتان بين مآل سوار الذهب وقذاف الدم ورفاقه.
www.salmogren.net