أحاول دون أن أنجح إلى حد الآن أن أعود لفضاء الكتابة بغير عاداتي القديمة ليس فقط لدواعي التجدد في ظل التجربة الجارحة التي خضت وأخوض في مواجهة تحدي السرطان ولكن لقناعتي بأننا إذا أردنا أن نعطي الكتابة حقها فلا يمكن أن نكتب بنفس طرائقنا وأدواتنا
ونظاراتنا أو عكاكيزنا وقلنسواتنا التي كنا نكتب بها ما قبل اندلاعات الربيع العربي وما بعد نشوب شموسه ونيرانه في أغصان الحاضر وحطبه وفي أعناق المستقبل وغياهب الغد.
فذلك الربيع وإن اشتدت رياحه يميناً ويساراً وخشي الخائفون من الخوف تحوله لعواصف غامضة ودوامة رملية أو توجسوا منه خريفا مبكرا أو شتاء قارسا, لا يزال على الأقل لعدد غير قليل من الحالمين وممن حملوا وزره ودفعوا أثمانه رمزا لمطلب الحرية ولفعل الكرامة ولإرادة الحق والعدل ولسنة التغير. كما لا يزال محملا باحتمالات تفعيل الخيال الاجتماعي لتحويل حالة الخنوع والتخلف التي عاشها ويعايشها العالم العربي إلى حالة من التحولات المستقبلية الناهضة وإن اقتضى ذلك ما تطلبه المخاضات الصعبة من عمل وصبر وتضحيات.
وفي هذا الأوار نجد أن عدداً متزايدا من كتاب ومثقفي وشعوب العالم اليوم في الشرق والغرب من الصين إلى عقر دار أمريكا الشمالية- اعتصامات وول ستريت, مرورا باليونان وإيطاليا و»دولة العدو الصهيوني» على أرض فلسطين يتحركون ضد المظالم بأنواعها السياسية والاقتصادية والثقافية والحقوقية والأخلاقية في عملية استلهام غير مسبوقة لربيع العالم العربي. وهذا ما شهد به الفنان الصيني الشهير «آي وايواي», حيث يقول في التعليق على اعتقاله وإغلاق ورشة عمله المسماة بـ»بذور عباد الشمس» وكذلك ملاحقة العديد من زملائه من المثقفين المستقلين في الصين ومواقع أخرى بالعالم: «أن ما تقوم به بعض تلك القوى الموتورة المضادة للحقوق والحريات إنما هو عمل استباقي خوفا من الثورات الشعبية على طراز ربيع العالم العربي, ولذا يقول فقد كان أول ما تعرضت فيه للمساءلة ماذا كتبت على الإنترنت؟!».
فهل من عذر بعد هذا لنا ونحن نعيش غير بعيد عن زخم الربيع العربي وفي جو مفعم بربيع قرارات خادم الحرمين الشريفين وخاصة ما يتعلق منها بالعدل في تشغيل المجتمع بكامل قواه نساء ورجالا أن لا نغير ما بأنفسنا فيما يتعلق بالكثير من مفاهيم الحقوق والواجبات وفيما يملي علينا عدد من العادات البائسة والبائدة من أنماط السلوك الاجتماعي.
هل من عذر للكتاب أن يكتبوا وهم ينتفون ريشهم بأيديهم أو يحلقون رؤوسهم لئلا تحتك جماجمهم بالسقف فيما لن يعفيهم التاريخ في هذه اللحظة بالذات عن أن يعملوا الضمير والتفكير لقراءة الواقع واستشراف المستقبل. فالتحولات الجادة لا تحتاج أحدا يتغنى بها أو يتجاور معها بما يشبه الصمت أو التأتأة أو الانسحاب لريثما تظهر النتائج ليقرروا مواقع أقدامهم أو بالأحرى مصالحهم من المستجدات, بل إن مثل هذه التحولات تريد من يحللها ويسبقها على طريق أقل غموضا وإن كان أعلى تكلفة.
إلا أنني لريثما أتعلم دربة الخيال مع شباب العالم الافتراضي لمستقبل يجمع بين القدرة على الرؤية وشجاعة الرأي سأكتفي من الكتابة بشرف هذه المحاولة.
تعليق على ملتقى المثقف السعودي:
لا يبدو لي واضحاً رغم محاولة المتابعة ما هي أوراق العمل التي ستطرح في أروقة ملتقى المثقفين المزمع عقده نهاية هذا الشهر إلا أنني أتمنى أن يكون حفيا بطرح بعض الأسئلة المتعلقة بواقعنا الثقافي في إطار التحولات المحلية والعربية والعالمية فلا نتعالى على عيوب واقعنا ولا نكون في عزلة عن مجريات لسنا بعيدا عنها. كما أتمنى أن يكون حفيا ببعض الأسماء المستنيرة التي حان وقت تكريمها وعلى سبيل المثال والرمز دكتورة فاتنة شاكر ود. خيرية السقاف والقائمة تحمل أسماء أخرى لها في رقبة العمل الثقافي قليل من الوفاء. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.