إذا اجتمعت الشيم العربية مع الخلق الإسلامي لا بد وأن ينتج عن ذلك سلوك راقٍ ومتميز، ونستطيع رؤية ملامح هذه الصورة في سواد أبناء هذا الوطن العظيم من ذكور وإناث وعلى مختلف الأعمار، لكن الواقع الذي تعايشه يعكس لنا مظهرا سلوكيا للفرد السعودي مختلف عن مضمونه أو حقيقته، مما سهل للبعض وصفه بالفصام وازدواج الشخصية، مقارنين بين سلوكه الفوضوي في الداخل وانضباط سلوكه في الخارج.
عندما انتقلت من «حي بن دايل» في الرياض إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بجنيف ولندن وباريس، برحلة عابرة للقرون الحضارية وفي سن مراهقة لا تتجاوز الثامنة عشر، لا أذكر أني وجدت صعوبة في التأقلم والتجانس مع بني البشر هناك، بل اذكر إني أحببت النظام والتنظيم واحترام حقوق الآخرين إلى الدرجة التي ربما تجعل الإنسان يفكر بالاستيطان في هذا العالم الجديد وقطع كافة خطوط الاتصال مع القرون المتأخرة، ولعل هذا لا يكون شعور فردي أو خاص بآحاد من الناس متشابهي الظروف ولكن ربما هو شعور راود مئات الآلاف من المبتعثين من المملكة إلى الخارج، ويمكن أيضا بسطه على سلوك الفرد السعودي اليوم عندما يكون خارج الوطن حتى ولو في الدول المجاورة لنا في الخليج العربي، فالفرد السعودي في اعتقادي هو أقرب الناس وأحرصها على النظم والتنظيم واحترام حقوق الآخرين، ولكن متى وجد المناخ الذي يعين ويساعد على ذلك، وأجد أنه حري بنا بدلا من صب جام الغضب وسيل التهم على شخصية المواطن السعودي أن نلتفت إلى حال المناخ العام وأثرة على السلوك الإنساني، فنحن نرى حتى القادمين من بلاد متقدمة في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا ينسجمون مع كثير من سلوكياتنا الفوضوية وأحيانا يتقدمون علينا فيها، بل حتى لغتنا العربية أصبحت خارج التعامل وحل محلها كلمات عربية لا ترتبط ولا تضبط بقواعد أو صرف إلى الدرجة التي رفعنا فيها اللغة الانجليزية لتصبح لغة النخبة وعلامة التحضر، ومنها إلى أن وصلنا إلى مرحلة التنكر لقيمنا وشيمنا واعتبارها خارج أداوات العصر، بل ووصلنا إلى هز الثوابت العقديه كتعبير صارخ عن حال الضياع.
إن الفاصل بين وعي العقول وواقع الحال هو فاصل يأخذ في الاتساع بشكل مريع وخطير، فلا أستطيع الجمع بين (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) وبين (خلك ذئب وإلا كلتك الذئاب) ولا أستطيع الجمع بين (الحرص على مخالفات السرعة) وبين (فراغ الطرق والشوارع من ضبط أنظمة السير) ولا أستطيع الجمع بين (الحرص على كرامة المواطن) وبين (تعرف أحد) والقائمة تطول، والآن من المسئول عن هذه المساحة الفاصلة بين وعي العقل وواقع الحال؟ بالتأكيد المواطن ليس مسئول عن ذلك، فلو تساوى الناس وطبقت الأنظمة وتمت مراقبة الأداء وفعلت المحاسبة لتغير واقع الحال وارتقى بشكل طبيعي إلى مستوى الوعي الجمعي، وفي النهاية سلوك متمدن وراقٍ ومنضبط.
إننا في حاجة ماسة لإعادة فلسفة مفاهيمنا لبناء الخطط التنموية لتشكيل ثقافتنا الاجتماعية لإنتاج مناخ يهذب ويصحح السلوك، ولست أدري لماذا يغيب الضبط التنظيمي والإداري والرقابي عن خططنا التنموية التي لا زالت تعتمد النمو التراكمي حتى في أعداد الجرائم والقضايا الاجتماعية، وترتقي فلسفة إنتاج المجسمات الإنشائية الضخمة على حساب كل ذلك، ولماذا غفلت عن تهيئة الإنسان وهو الأهم في حاجاته للبنى التحتية والخدمية وتحريره من قيود التخلف والتبلد والفساد التطبيقي للنظم والإجراءات، والذي ينمو بشكل تراكمي حتى صار يحفر في أعماقنا ويشوه صفاءنا ويعجرف سلوكنا ويزيد ويمدد الفاصل بين مانعيه عقولنا وبين ما نراه وتعايشه في واقعنا.
إن إنسان هذه الأرض العربية الإسلامية هو أكثر الناس استعدادا وقدرة للدخول إلى روح القرن الحادي والعشرين متى توفر له المناخ المناسب، والأمر كذلك، فإن حالة التغير في سلوكه بين الداخل والخارج لا يصح تفسيرها أنها حالة ازدواجية أو انفصاميه، ولكنها بشكل أدق واصح، ترجمة لرقي وعي ابن هذا الوطن، وإن ما يميز ويصبغ صورة سلوكه المختلف بين الداخل والخارج هو طبيعة المناخ العام المختلف الذي لا يستطيع الإنسان العاقل والواعي إلا أن يضبط سلوكه حسب معطياته.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni