* قوة الحجة، وثبات الرأي، ووضوح المنهجية، وعدم التذبذب تكشف شخصية الإنسان، وأنماط سلوكه، وتحفظ له قيمته ومكانته الاجتماعية، وفي العصر الحاضر تبدو قضايانا الاجتماعية، والفكرية، والدينية متشعبة، ومتنوعة، ومعقدة أكثر من ذي قبل، تبعاً لتغير المجتمع وتطور حياته، واندماجه مع المجتمعات الأخرى، وتشربه لبعض ثقافته، ولم يعد الرأي الفردي يؤبه به، أو له القبول والانقياد المطلق، أيّا كان صاحبه، وباتت قناعات الناس تعتمد على الأدلة، والحجج الدامغة والمستوعبة للجديد والمتغير في العصر، ولم تعد المؤسسات والهيئات الدينية على سبيل المثال تدار بتلك المنهجية التي كانت تدار بها وتوجهها قبل ثلاثة عقود، وهو تغير يحسب للقائمين عليها بلا شك، ومن يحاول أن يشدنا للخلف، أو يحاول أن يقارن ويربط بين مراحل التاريخ لهذه المؤسسات ففي وجهة نظري يخالف مبدأ السنن الكونية، أو يخالف مقتضى التاريخ البشري، ومنطق التطور.
* في كل عصر، وفي كل دولة هناك هيئات شرعية ودينية محسوبة على السلطة، ومن الضرورة المؤكدة وجودها والاحتكام إلى رأيها، إذ لا تستقيم الحياة إلا بتنظيم، يحفظ كيان الدولة، ويقود المجتمع، وتبنى على رأيها سياساته، وشذوذ بعض الأصوات ونشوزها عن السياق ظاهرة في كل العصور، قد يفسرها البعض على أنه رقي في المجتمع، واستيعاب مطلق لكافة الآراء والتوجهات، وقد تجد من هذه الأصوات من يشكل بطريقة أو أخرى مرجعية رسمية أو غير رسمية للهيئات الشرعية، والسلطة السياسية في أي بلد متى ما توافرت في قيادتها الجرأة في الحق، والشجاعة في اتخاذ القرار، والقبول الاجتماعي لها تنأى بنفسها عن أيّ توابع وزوابع قد يحاول البعض تهويلها أو تضخيمها.
* محور المقال ليس ما قدمت له، أو حاولت التوطئة له، بل مما يسترعي الانتباه والتساؤل وجود علماء أفاضل، ومفكرين كبار ينأون بأنفسهم عن قضايا المجتمع، وهم على رأس السلطة، مهما كانت درجة المسؤولية في تلك المؤسسة، رئيساً لجهاز ما، أوعميداً لمؤسسة أكاديمية، أو مديراً لإدارة، أو قسم، أو عضواً من أعضاء المجلس، أو المؤسسات التعليمية، ولا تجد لهم أيّ حراك، أو رأي يذكر، في وقت كان المجتمع بأمس الحاجة إلى طرحه، وتحرير رأيه، بحكم موقعه ونفوذه، في حين نجده إذا تنحّى، أو أحالته الأيام عن موقعه، وكلنا ذلك الرجل الذي ينتظر ذلك المصير، نجد أن بعضهم، فجأة، وبدون مقدمات ينخرط في مجموعات عبر وسائل إعلامية مختلفة، فينًصب نفسه أمام كل قضية تثار، أستشير فيها، أم لم يستشر.
* كثير منا يجهل الحكم الشرعي حقيقة عن كلا الحالتين، وما يجب أن يكون عليه الإنسان، لا سيما المسلم في مثل هذه المواقف، كنت أتمنى من أحد علمائنا الأفاضل الأجلاء أن يبين رأيه، أو رأي الشرع في مثل هذه الشخصيات التي تتلون مواقفها، بتلون موقعها الوظيفي، فقد تكون على صواب، ونحن لا نعلم، أو ارتكبوا محظوراً شرعياً، وانساق الناس وراءهم من حيث لا يعلمون!!!
dr_alawees@hotmail.com