حينما يُضبط في الغرب صاحب سلطة استغل منصبه في فساد إداري أو أخلاقي تقوم الدنيا ولا تقعد، ليس بسبب الفساد فحسب، بل للمنصب الذي قام باستغلاله، وبالتالي خان الأمانة وميثاق الشرف الذي أقسم على صيانته وحفظه، وهذه هي الكارثة.
عن إحدى مناطق البلاد، كتبت الصحافة عن موظف صاحب سلطة إدارية في إدارة التربية والتعليم بتلك المنطقة، قام باستغلال منصبه الحكومي بابتزاز معلمات، مستغلاً حاجتهن إلى الوظيفة الرسمية لمن هي تعمل بالتعاقد، أو حاجة بعضهن إلى نقل وظائفهن من مدارس بعيدة إلى مدارس قرب منازلهن، أو إلى ترقيات، أو ما شابه.
إذا كان الخبر الصحفي صحيحاً، وهو ما أكده الناطق الإعلامي بشرطة المنطقة، فإنه خبر محزن لأمرين مهمين، أمر يخص حالة التعليم، وآخر يتعلق بالصحافة وتناول الخبر مفصّلاً، فإن تخضع معلمة إلى ابتزاز كي تحصل على حق لها، يفترض أن النظام يكفله لها، لكنه لم يفعل، وأمام يأسها وإحباطها والفساد الإداري الذي يحيط بها، وأمام سنوات تمر دون أن تحصل على وظيفة أصلاً، أو أن تكون قد حصلت على وظيفة عقد وتنتظر أن تكون على وظيفة رسمية، أو أنها على وظيفة رسمية لكنها في قرية نائية، أمام هذا الانتظار الطويل، والشعور بعدم المساواة، والتعرض إلى ابتزاز ما، قد تضطر امرأة ضعيفة إلى التنازل مؤقتاً لمثل هذا الاستغلال كي تظفر بما تريد، لكن ذلك قد يقودها إلى فساد دائم لا تستطيع النجاة من مستنقعه، أليست معظم من يبعن أجسادهن في العالم هن ممن يعشن ظروفا اقتصادية خانقة، ألم يكن الفقر هو طريق البعض إلى الجريمة؟
إذا كان ما حدث صحيحاً، وكما نشرته تلك الجريدة، فإنني أهيب بوزير التربية والتعليم أن ينظر في الأمر، لا كجريمة أخلاقية أو إدارية، بل كمؤشر خطر لحال التربية والتعليم، وأن التربية لا يحتاجها طلابنا وطالباتنا فحسب، بل حتى المعلم والمعلمة يحتاجان إلى التربية أولاً، والموظف ذاته يحتاج إلى الرقابة.
الأمر الآخر، الذي يتعلّق بالتناول الصحفي، هو التعميم والتضخيم للحادثة، إلى درجة إثارة الشك بكل من حصلت على تثبيت أو نقل في السنوات الماضية في تلك المنطقة تحديداً، ورغم أنني مع الصحافة الحرة، وأنها السلطة الرابعة التي يجب أن تراقب ما يحدث في المجتمع، إلا أن التفاصيل الزائدة في الخبر، عما عُثر عليه مع الموظف ساعة القبض عليه في كمين، والتي لا أريد تكرارها في مقالي هذا، هو أمر لم يكن موفقاً إطلاقاً، فقد كان من الممكن أن يقول الخبر كل شيء عن الحادثة، دون أن يخدش خصوصية هؤلاء المعلمات وحياتهن الاجتماعية، صحيح أنه لم يورد الأسماء (ولاّ بعد؟) لكنه ذكر اسم المنطقة، وأشار إلى إذعانهن لرغبات هذا الموظف مقابل الحصول على حقوقهن! وهو أمر مؤسف حقاً.