لم أكن أتصوّر سرعة مرور عشرين سنة على تولِّي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز مقاليد الأمور في (منطقة القصيم) ممثلاً لوليّ الأمر في تحمُّل الأمانة، والنهوض بمسؤولية المتابعة لكلِّ قطاعات الدولة، منفذاً لأوامر القيادة بكلِّ أمانة وإخلاص،
وهذان العقدان أطول فترة في حساب الزمن، يقضيها أمير في المنطقة، وأقصر فترة في حساب المشاعر. والأهالي إذ يُبيِّتون استقبال عقود أخرى واعدة بكلِّ خير، فإنّ عليهم تهيئة الأجواء الملائمة للحراك المثمر، كي يتحقّق المزيد من العطاء في الزمن المواتي، وواجب المقتدرين من المواطنين أن يعبّروا عن مشاعر الاغتباط، كل حسب إمكانياته وبالأسلوب الذي يعجبه، لأنّ النفوس جبلت على حُبِّ المحفزات. و: (حُب الثناء طبيعة الإنسان). وليس هناك ما يمنع من أن تكون هذه المناسبة فترة مراجعة وتقويم وشكر لله الذي هيأ لهذه البلاد قيادة راشدة، تتحمّل المسؤولية على وجهها، وتستبطن همّ الأمة، وتحث الخطى في دروب العزة والكرامة، في وقت تغلي فيه مراجل الشعوب، وتُسلب فيه الحريات، وتُنهب الثروات، ويحرَّم الدّوحُ على بلابله، ليهيأ للطير من كل جنس.
ولأنّ حرية التعبير عن المشاعر بالشكل الذي يراه المعبِّر متاحة، فإنني سأطرح جانباً الثناء المباشر، والإشادة المعتادة بالمنجزات المادية، لمعرفتي عن سموه ما لا يعرفه الكثيرون، وبخاصة تحرُّجه من جاهزيات الثناء، على الرغم من أنّ العارفين بالفضل والمعرّفين به، لا يتجاوزون حدّ المباح والمعقول، والمواطنون والمسؤولون من واجبهم أن يشهدوا بما علموا، وأن يكافئوا من أحسن إليهم ولو بالثناء والدعاء.
لقد فوجئت بالملحق الصحفي الذي بادرت إليه جريدة (الجزيرة) عن تلك المناسبة السعيدة، واستطلعت فيه بعض الآراء والانطباعات، وعبّرت بمواده وإعلاناته عن المشاعر، وجمجمت به عما في النفوس. وكان بودي أن تكون صيغة الابتهاج بشكل أوسع، بحيث يُعَدُّ للمناسبة، لتكون في حجم الحدث، وبحيث يتفادى المبتهجون النمطية، ليعرجوا على الرغبات والتطلُّعات والسمات الشخصية، التي أسهمت في استثمار تلك الطفرة، وإذ ينطلق المثنون من حجم الإنجاز وشواخص المشاريع بوصفها شواهد إثبات، فإنّ مثل ذلك في تصوُّري من الثانويات. فالبلاد من أقصاها إلى أقصاها حققت الكثير من المشاريع، والقصيم وقد هيئت له الأجواء الملائمة، أصبحت كل التوقعات تؤكد أنه يسير على الطريق الصحيح، وأنه يسبق ظله، لاستكمال متطلّبات المجتمع المدني. ولقد تكون هناك مشاريع ملفتة للنظر، يجدر بنا إبرازها في هذه المناسبة، وبخاصة في (جامعة القصيم) و(أمانة المنطقة) و(التعليم).
والأمير بمواهبه المتعدّدة وإمكانياته المتوفرة ومتابعته المباشرة أسهم في صناعة الأجواء الملائمة، وتذليل العقبات المثبطة، وكنت أود أن تكون هذه الذكرى مناسبة لإبراز هذه الخصوصيات في شخص سموه، لأنها الطاقة المحركة، أما الإجراءات الروتينية فإننا نراها هنا وهناك، لتجانسها في الحراك. لقد كنت ولمّا أزل أعوّل على تلك المواهب والإمكانيات والأخلاقيات، وأتمنى أن نعيها، وأن نحسن التفاعل معها، ونروّض النفوس على الأداء من خلالها، ثم لا نجد حرجاً من ضوابطها الصارمة.
الأمير - وتلك شهادة أدين الله بها - يحمل همّ مسؤوليته، ويعيش حضوراً فاعلاً، يذكي مشاعر المسؤولين من حوله، ويحرضهم على حسن الأداء واستمراره، ولقد يود أحدنا لو يخفف من كثافة هذا الحضور، وتلك المراقبة، وعمق الرؤية، ليأخذ الآخرون أنفاسهم، فكم من مسؤول يبارك لمن تحت مسؤوليته بنظرة عجلى، ثم يدع المهمات تجري في أعنتها، أما سموه فإنه يغرس نفسه في عمق المسؤولية ويجري في عروقها، كما لو كان نبض الحياة فيها، ولا يرسل الأشياء للعراك، حتى يضمن اكتمال كل المتطلّبات، وحتى يستعرض أدق التفاصيل، وحين يستمع إلى حديثه من لا يدرك تلك الخصيصة ينبهر بذلك الإلمام الواسع بتفاصيل الأشياء. والمسؤولون الذين يختلفون إليه للعرض أو لطلب التوجيه والمباركة، يفاجؤون بما ليس في الحسبان، لأنهم يحاورون من يتوفر على كل متعلقات مسؤولياتهم، هذا الحضور الشخصي والمتابعة المباشرة عبر أي وسيلة اتصال، فوّتت على أي متثائب فرصة الاسترخاء أو التمرير المتسطح للأشياء، وحصرته في زاوية التحدي. وفوق هذا فإنّ تنامي هذا الاهتمام مكن المسؤولين من تدارك أمورهم، ومباشرة المسؤولية بأنفسهم، والتعبئة الذهنية لتوقع أي سؤال محرج، يبده به المسؤول في ساعة غفلة. ولقد سمعت حسيس التأوّه ممن يضيقون ذرعاً بتلك الرؤية المقعرة، فالنابهون منهم يراجعون أوراقهم ويحصنون قراراتهم، ثم يفاجئهم بثغرات لم تكن في الحسبان، ولقد كنت أتصوّر أن ثمن الإنضاج يكون على حساب الزمن، غير أنه تبيّن لي أن في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة، ولهذا تبدو المشاريع في المنطقة متقنة الصُّنع، مكتملة الإجراء، مأمونة العواقب. والمسؤولية والرقابة تتطلّبان مثل تلك الخاصية، فالمنفذ إذا أمن الدقة في المساءلة والمتابعة، تأخذه الغفلة، ويحلو له الاسترخاء، وفي الأمثال (المال السائب يعلِّم السرقة)، وبلادنا التي تعج بالمشاريع المتعددة والمتنوّعة، وبخاصة ما يتعلق منها بالبنية التحتية بأمسّ الحاجة إلى هذه النوعية من المراقبة الواعية الدقيقة والشاملة، وما أنشئت (هيئة مكافحة الفساد) إلا لتدارك الأمر، ولو حمل كل مسؤول همّ مسؤوليته، لاستقام الجميع على ما أمروا.
وخاصية أخرى لا تقل أهمية عن المتابعة المستمرة والحضور الواعي، تلكم هي:_ قطعه لدابر المحسوبيات والمجاملات على حساب سير العمل، فسموه حريص على أن تسير الأعمال وفق نظام دقيق، يرضي كل الأطراف، ويحمي كل الحقوق، ولهذا قلَّ أن يظفر أحد بغير حقه لصداقة أو قرابة، وهذه الخليقة لا تمنع من تسهيل الإجراءات وإكرام ذوي الهيئات، ولكن ذلك كله لا يكون على حساب حقوق الآخرين. وسمو الأمير بهاتين السمتين: استبطان المسؤولية، وسيادة النظام، قلّص حجم الإهمال والأثرة.
وخاصية ثالثة تضطرنا إلى استدعاء طرف من المنجزات، وهي حرص سموه على حجز الأراضي الحرة داخل النطاق العمراني للمصلحة العامة، وعدم التفريط بشبر منها، وتمكين المشاريع المتعثرة من تلك الأراضي لتنفيذها، الأمر الذي مكن جميع القطاعات الحكومية والأهلية من الظفر بمقرّات ملائمة. وشارعا: (خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله) و(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) في (بريدة) بما يقوم على جوانبهما من مبانٍ عملاقة شاهد على ذلك، ولقد تعهّد سموه لكل إدارة بمقر، متى اعتمدت المشاريع. و(نادي القصيم الأدبي ببريدة) أحد القطاعات التي ظفرت بأرض ثمينة، تقدّر قيمتها بملايين الريالات، ولما تزل المشاريع الحكومية والأهلية تجد بين الحين والآخر مقرات وفّرتها تلك السياسة الحكيمة من سموه. ذلك طرف من سمات سموه، ولن نعرج على مشاطراته لأفراح المواطنين وأتراحهم، ولا إشادته بمن يسميهم زملاءه في مختلف القطاعات عند تدشين أي مشروع أو إحياء أية مناسبة.
ولعله لا يكون من تعكير ضجة الفرح، أن نجس نبض الشارع العام وتطلّعاته، ليكون فاتحة خير لعقود أخرى، تحمل في طياتها بشائر الخير، ويقيني أن سموه على علم بهذا النبض، ولكن التذكير منهج رباني:- {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. إن منطقة كالقصيم بمدنها ومحافظاتها ومراكزها وهجرها ومجمل قطاعاتها العلمية والصحية والزراعية والصناعية والتجارية، وبوصفها منطقة جذب بحاجة إلى التوسل بـ(لغة الأرقام) أمام الممانعين والمماطلين، لتكون مشاريعها متساوقة مع الاتساع والنمو المتسارع، وكثافة السكان، فالراصد يجد أن جميع مرافقها لا تغطي احتياجاتها القائمة، ويكفي أن نضرب المثل بـ(جامعة القصيم) التي نيف طلابها وطالباتها على ستين ألف طالب وطالبة، هذا الانفجار السكاني ضاعف الاختناقات، وعددها، ونوعها، فهي في الصحة والمرور والطرق والتعليم، وسائر المرافق، وسمو الأمير بمتابعاته الشخصية واتصالاته الملحة يعرف دقائق هذه الاختناقات، والقصيم الصاخب في كل شيء بحاجة إلى جامعتين في محافظتي (عنيزة) و(الرس) وإلى الرفع من كفاءة المستشفيات في المحافظات، لتخفف العبء على مستشفيات (بريدة) مع مضاعفة الطاقة الاستيعابية للتخصصي والمركزي والولادة فيها، واستعجال المشاريع القائمة. وفوق هذا تحسين مداخل العاصمة، وازدواج الشمالي منها، وتحفيز مشاريع وزارة النقل، وبخاصة (طريق الملك فهد) و(الدائري الداخلي)، وتعزيز المجالس النيابية، وتسهيل تأسيس (لجنة الأهالي)، ولست أشك أنني بضخ هذه الهموم كـ(جالب التمر على هجر)، ذلك أن سمو الأمير يعيش الإشكاليات، كما لو كانت من أولويات مسؤولياته، ولكنها حاجة في نفس كل مواطن و(لا بد للمصدور من فيضان):- لقد بهرت المنطقة كل زائر، باتساعها، وكثافة سكانها، وقوة حركتها، ونهضتها الزراعية، والتجارية، وحدائقها ومنتزهاتها، وأسواقها، ومواسمها الاستثنائية، وخير شاهد على براعة التخطيط وتفوق الإنجاز (منشآت الجامعة) و(مدينة التمور) و(مدينة الأنعام) و(منتزه الملك عبدالله). ولكننا سنظل مرتهنين لسياسة (خذ وطالب):-
(وفي النفس حاجات وفيك فطانة
سكوتي جواب عندها وخطاب)
طبت..
وطاب مسعاك..
وكل عقد وأنت بخير.