كثر الحديث مؤخراً عن المؤامرة الإيرانيه لقتل السفير السعودي في واشنطن، ولفت نظري سرعة التأييد للخبر في أوروبا، لترتفع الأصوات الداعية لمزيد من العقوبات ضد إيران، أو التفكير في فتح المجال لضربة إسرائيلية لإيران. وتظهر خطورة الأمر في عواقب إدخال المنطقة في مزيد من الصراعات والحروب. وعلى الرغم من إدراكنا لسوء نوايا الثورة الإيرانية، وفي برامجها المعدة لتصدير الثورة الدينية إلى الدول المجاورة، إلا أن المزيد من الحصار والعقوبات أو الحروب سيزيد من المناعة الداخلية للتغيير، وسيكون الموقف الدولي المتأزم دعوة لمزيد من التضامن والتماسك الداخلي، لذلك من المفترض أن يتولى الأمر محكمة دولية، وأن تتم محاكمة المتهم تحت مظلة مرجعية القانون الدولي.
لم يؤد الحصار والعقوبات الدولية إلى التغيير في العراق، فالعالم اعتقد أن الشعب سيثور على قيادته، لكن ذلك لم ينجح، ولم يتغير النظام إلا بعد حرب ضروس، ومع ذلك أيضاً لم يتحرك الشعب العراقي، ولم يكن طرفاً في الحرب الدولية، وانتظر إلى نهاية الحرب ثم بدأ مقاومة شرسة ضد الاحتلال. ولم ينجح الحصار الأمريكي ضد كوبا، واستمر فيدل كاسترو في منصبه إلى أن عجز. والسبب أن العقوبات عادة لا تؤثر على القيادة، ولكنها تزيد من معاناة الشعب، وتجعل من الغضب الشعبي ضد أمريكا شعاراً لها. وتدخل في ذلك فنزويلا وغيرها من دول أمريكا الجنوبية. وخير مثال في آسيا هو كوريا الشمالية والتي ظلت متماسكة على الرغم من صعوبة العقوبات الغربية، وانتقل الحكم من الأب إلى الابن، ولم تحدث الثورة أو ما كان يريده الغرب.
من يبحث عن التغيير الجذري في إيران لا يجب أن يعاقب الشعب، أو أن يعتقد أن حرمانهم من حقوقهم المعيشية هو الحل، فالثورة الإيرانية تنتظر ثورة جديدة أكثر انفتاحاً من الثورة الدينية، لكن ذلك يحتاج إلى شعب واعٍ، ولم يشعر بالمذلة من الخارج، والتدخل الدولي في إضفاء مزيد من العقوبات الاقتصادية مثل إيقاف تصدير البترول سيجعل معاناة الشعب في حكم المأساة الإنسانية، وسيدفع بهم إلى تأييد رموز ثورتهم الدينية. وإذا كانت الولايات المتحدة تعيش وتزدهر على وجود عدو خارجي يهدد الأمة الأمريكية، فإن أيضاً سياسات الدول المستبدة تعتمد على التلاعب بمشاعر شعوبها من خلال إيهامهم بوجود خطر خارجي يهدد مصالحهم.
حدثت الثورات العربية في دول لم تتعرض للضغط من الخارج، بل إن أكثرهم كانت على وفاق وعلاقة متميزة من واشنطن، ويظهر أن حكومة إيران تبحث عن تلك العقوبات التي ستجيد استعمالها في غسل أدمغة شعبها، لتجعلهم في موقف الغضب من السياسة الأمريكية. لذلك على الحكومة الأمريكية أن تحاسب الشخص المسؤول في الحكومة الإيرانية، وأن تطلب القبض عليه بعد إدانته من المحكمة الدولية، لذلك يجب إحالة القضية إليها، وليس في مصلحة المنطقة أن تظهر الولايات المتحدة في موقف اللاعب الذي يغضب حسب مصالحه، فالشعوب أصبحت تدرك حقيقة ازدواجية المصالح الأمريكية، بل إن المرحلة القادمة ستشهد غضباً أكثر ضد تدخلاتها.
إيران دولة دينية متطرفة، وتبحث عن مصالحها في الخارج من خلال رؤية مزدوجة ومتناقضة، ويظهر موقفها المتناقض من الثورات العربية، إذ أعلنت عن فرحها وتأييدها بعد نجاح الثوره المصرية، لكنها لم ترحب على الإطلاق بإشتعالها في الدولة الحليفة، وهي بذلك تعلن عن إنحيازها التام لمصالحها المؤدلجة بمبادئ ثورتها الدينية، وليس بمبادئ حقوق الإنسان، لكن ذلك لا يعني أيضاً أن الشعب الإيراني على وفاق مع حكومته الدينية المتطرفة، فما حدث خلال الإنتخابات الماضية مرشح أن يكون أكبر وأكثر تأثيراً في الإنتخابات القادمة، لذلك يجب الحذر من أن تقع المنطقة في الفخ الأمريكي، والذي يستطيع إن أراد أن يصل إلى المدبر الحقيقي لخطة إغتيال السفير السعودي من خلال القضاء الدولي، بدلاً من خيار إشعال فتيل الحرب في المنطقة، كذلك على دول المنطقة أن لا تحمل الشعب الإيراني أخطاء وجرائم حكومته المتطرفة والله المستعان.