للنفس البشرية حالات متعددة، وأوجه مختلفة، منها النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، ومن الناس الظالم نفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات، ولكل من الحالات السابقة سمات وخصائص.
فالنفس المطمئنة دائما راضية مرضية، آمنة متسامحة، هانئة هادئة عادلة، ثابتة على الحق، تخاف الله وترجو ما عنده، تراقبه وتخشاه.
والنفس اللوامة، التي تتوقف عند الفعل قبل الإقدام عليه، تزنه وتثمنه وتبحث عن مآلاته الخيرة، دفعا للشر أو مجرد مظنة فهم الوقوع فيه أومقاربته.
والنفس الأمارة بالسوء دائماً تتلفت مشتهية لاهثة تبحث عن مواطن الشبهات والشهوات، مواطن السوء ومصادره وأدواته ومظانه، تقع فيه وتمارسه.
والإنسان الظالم نفسه، عجيبة هي نفسية الظالم وحاله، يقصر في العمل المأمور بفعله، يفرط في فعل بعض الواجبات، بل يتعمد ترك الواجب ويرتكب عمدا بعض المحرمات.
والإنسان المقتصد حاله بين حالين، يؤدي الواجب، ويترك المحرم، لكنه قد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المحرمات.
أما الإنسان السابق بالخيرات، فهو عطفا على فعله للواجبات والمستحبات، وتركه للمحرمات والمكروهات، يترك كذلك بعض المباحات خشية من الوقوع في المحرمات، ليس هذا فحسب بل تجده يسعى إلى تعليم الناس العمل الصالح ويرشدهم إليه بقصد توسيع دائرة الخير والخيرين.
لنقف مع حال صاحب النفس الأمارة بالسوء، وما يترتب على هذا الدفع للسوء وتزيينه، من عواقب تجعل الإنسان يظلم نفسه ويغرقها في إتون ممارسات تخرج الإنسان من إطاره البشري والإنساني إلى إطار حيواني بهيمي، بسبب فقدانه العقل الذي يميز به الحق من الباطل، الحلال من الحرام، وعندما يفقد الإنسان عقله الذي يرشده ويهديه إلى الحق والصواب، تجده يتصرف ويسلك سلوكات يحار العقلاء في فهمها وتسويغها، ولا يملكون إلا أن يعدونها ضربا من ضروب الجنون والسفه الذي لا يمكن احتماله والصبر عليه، أو السكوت عنه أو تناسيه أو غض الطرف عنه.
الملاحظ أن النفس الأمارة بالسوء عندما تسيطر على الإنسان تزين له فعل كل شيء مهما بلغت درجة فحش هذا الشيء وبغيه وعدوانه وتعديه الحدود التي بينها الله وعد تجاوزها من المحرمات والفواحش والمنكرات، النفس الأمارة بالسوء تعمي بصر صاحبها وبصيرته، وتجعله يقدم دون تردد أو تمحيص إلى فعل كل ما يشبع رغبات هذه النفس المنحرفة، فهو لا يرى صوابا إلا ما تراه هذه النفس، ويفعل بكل وحشية وظلم ما تمليه عليه حتى وإن بدا صارخا في العدوان والبغي.
فقتل النفس بغير حق، وسفك الدم المعصوم، وسرقة المال والتحايل في تحصيله، وهضم الحقوق وإغفالها، وتعدي الحدود التي حرم الله، وإيذاء المشاعر وإهانتها، وتعطيل المصالح وحجبها، وهتك الأعراض واغتصابها، وأكل اللحوم على موائد السب والطعن، ومماطلة ذي حق، والحلف كذبا لتملك حق الغير، فيض من غيض سلوكات الظلم نفسه.
كثيرة هي صور ظلم الناس، وكلها كريهة منكرة، وعجبا لمن ينام هانئا مطمئن البال، قرير العين، وقد ارتكب أيا مما سبق ولو بحده الأدنى، قد يفتح الله له الأبواب ويسهل عليه وله كل شيء، لمزيد من الاستحواذ والاستكثار، ولكن ما العاقبة؟
ولمن يرغب في الاعتبار، ويتعرف على مصير الظالمين عليه أن يقرأ الآية 44 و45 من سورة الأنعام، حتما سيعلم أن العاقبة غير سارة، وأنها ستأتي بغتة، وتقطع دابر الظالم وأهله، ولن تبقي له أثرا، وسيكون عبرة للمعتبرين، فهل من معتبر؟
ab.moa@hotmail.com