حبُّ الوطن ليس في شعاراتٍ تُرفع يوماً في العام، بل نحن في كلِّ أيَّام العام نحبُّ الوطن، إذ إنَّ حبُّ الوطن ليس في الخطب والكلمات، ولا بكتابة الكتب والمقالات فحسب، بل تعبِّر عنه الأفعال قبل الأقوال، حبُّ الوطن في أنْ تمثِّل عنه صورةً مشرقةً مشرِّفةً لدى من لقيت، حبُّ الوطن أنْ ترفع رايته في قلبك وما تتضمنه تلك الراية من معاني قبل أنْ ترفعها إلى السماء، حبُّ الوطن أنْ تجعل الكلمة الطيِّبة وما تدعو إليه فوق كلِّ اعتبار، لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، حبُّ الوطن محكومٌ بضوابط الشَّريعة المحمديَّة، وهذه بلادنا مملكةٌ عربيَّةٌ سعوديَّةٌ، وُلدنا في أرضها، وتربَّينا تحت سمائها، وشربنا من مائها، وأكلنا من طيِّب ثمرها، وأخرجتْ لنا من جوفها ذهباً تَعطَّر بأحشائها، بلادنا عرفناها تُحكِّم شريعة الله، وتدعو إلى دينه، وتنشر النور والضياء في الداخل والخارج، بلادنا عمَّ نفعها القاصي والداني، والمستضْعَفَ والمسكين، والجائع والخائف، والعاري والمظلوم، بلادنا نالت السِّيادة والشرف، والرفعة والعلو، والنصر والتمكين، لا بفضل أحدٍ من الناس، بل بفضل الله وحده، الذي منحنا وأعطانا، ومن خيره سدَّ جوعنا وكسانا، ووهبنا من واسع فضله، ومن كريم جوده وإحسانه، وعفوه ولطفه، هو الله الذي أعزَّنا بالإسلام، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزَّة بغيره أذلنا الله) فمعاقد العزِّ بالإسلام معقودةٌ وبغيره مبتوتةٌ، ومن هذا المنطلق عَزَمَ المؤسس الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن- غفر الله له- بصادق عزيمته، وصالح نيَّته، وقوَّةِ إيمانه، وخوفه من الله ورجائه، فاستعاد ملك آبائه وأجداده، ليواصل مسيرتهم في الحكم بين الناس بالعدل، فحكم بالقرآن الكريم والسُّنة النبويَّة المطهرة، ودعوة الناس إلى الخير، وإلى توحيد ربِّ العالمين، ونبذ ما خالف الشَّريعة المحمديَّة الصافية، فمكَّنه الله في الأرض، ونصره وأيَّده، فسعِد الناس به وأحبُّوه، وبدَّل الله خوف الناس أمناً، وتباغضَهم وتفرُّقهم محبَّةً وأُلفة، وتوالى الشعراء في مدح المؤسس المظفَّر، ومن ذلك ما قاله الجدُّ الشاعر-سليمان بن مشاري ابن علي (راعي الداخلة) رحمه الله في قصيدةٍ له في مدح موحِّد الجزيرة:
تُعدُّ ملوكُ الأرض مثل نجومها
وإمامُنا في العالمين لها بدرُ
إنَّ حبَّ الوطن يتمثَّل في الدفاع عنه وعن مكتسباته، وفي الرباط في ثغوره -حدوده- لحمايته من أيِّ معتدٍ متربِّص، كما إنَّ حبَّ الوطن فطريٌّ جبليٌّ، فالكلُّ يحِنُّ إلى وطنه الذي ولد ونشأَ وعاش فيه، قال ابن الرومي:
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم
عهود الصبا فيها فحنُّوا لذلكا
حبُّ الوطن في ذكر محاسنه وأفضاله، والسعي في كلِّ ما من شأنه الرقي به إلى معاقد العزِّ والتمكين، والمنعة والتحصين، ونحن ولله الحمد والمنَّة وله الفضل أوله وآخره، نعيش في مملكتنا العربيَّة السعوديَّة، وقد بلغت المقام الأسنى، والمكانة العليا في الدين والدينا، فشعَّ منها الإسلام والسلام، والأمن والإيمان، فيها الأراضي المقدَّسة المباركة، والبقع الطيَّبة الطاهرة، مكة المكرَّمة والكعبة المشرَّفة، والمسجد الحرام، والمشاعر المقدَّسة منى وعرفة ومزدلفة، وطيبة الطيَّبة، وطابة المقدَّسة، والمسجد النبويُّ وروضته المفضَّلة، ومسجد قباء الذي أسِّس على التقوى، فحبُّ بلادنا لشرف المكان، فهي قبلة المسلمين الذين أحبُّوا بلادنا كحبِّ أهلها لها من أعماق القلوب، فعقدوا الآمال بها بعد الله، يفدونها بدمائهم قبل أموالهم، وبمهجهم على أيِّ أحوالهم، وبلادنا بلاد العلم والعلماء والفضلاء والنبلاء، لها في كلِّ خيرٍ مشاركة، سبَّاقةٌ مسابِقةٌ، عمَّ نفعها وزاد فضلها، اهتمَّتْ بشؤون المسلمين في كآفة بلاد العالمين، وأسَّست المراكز الإسلاميَّة، وأيَّدت وناصرت الدعوة الإصلاحيَّة، ورفعت شأن الدعاة والعلماء، وعرفت لهم مكانتهم، إنَّها بلادنا التي شجَّعت على تعلُّم العلم النافع ووضعت الجوائز العالميَّة، والمسابقات العلميَّة كمسابقة الملك عبدالعزيز العالميَّة لحفظ القرآن الكريم، وكذلك جائزة الملك فيصل العالميَّة التي تبوأت مكاناً رفيعاً، وكذلك جائزة صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير-نايف بن عبدالعزيز للسُّنة النبويَّة وعلومها، وغيرها من الجوائز، إنَّها بلادنا التي اهتمَّت بالشؤون الإسلاميَّة فهي عضوٌ مؤسسٌ في رابطة العالم الإسلامي، وبها مقرُّ المجمع الفقهي، وبها أكبر مطبعةٍ للمصحف الشريف، إنَّها بلادنا التي أولتْ عنايةً فائقةً بالمسجد الحرام، فمن توسعةٍ إلى أخرى، ومن خدمةٍ إلى خدمةٍ أفضل لحجَّاج وزوَّار بيت الله الحرام، والتوسعة الكبرى التي لم يسبق توسعة مثلها على مرِّ العصور التي أهداها الملك العادل خادم الحرمين الشريفين ووالدنا- عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- لعموم المسلمين، ولا يزال العمل جارياً فيها، وكذلك التوسعات تلو التوسعات في المسجد النبوي وخدمة زائريه على أكمل وجه، إنَّها بلادنا التي تولي اهتماماً بالغاً بقضايا المسلمين عموماً، وبالقضيَّة الفلسطينية خصوصاً، فهيتدعم الإسلام وأهله سياسيَّاً واقتصاديَّاً دعماً غير محدودٍ ولا مشروطٍ، إنَّها بلادنا التي تضرب بيدٍ من حديدٍ على كلِّ من تعرَّض لها، فالأرض لا يُساوم على شبرٍ منها، ولقد لقنت الحوثيين المعتدين درساً لن ينسوه، كما ضربت ضرباتٍ استباقيّةٍ على الخوارج المارقين الإرهابيين، الذين سفكوا الدماء وأفسدوا في الأرض، وهذه بلادنا التي حاربت البدع والخرافات الجاهليَّة؛ لتحقيق كامل العبوديّة لربِّ البريَّة سبحانه وتعالى، وهذه بلادنا التي اهتمَّت بالمواطن في كآفة المواطن بالمشاريع النهضويَّة، وزيادة البنية التحتيَّة (الأساسيَّة) ورفع الدُّخول المعيشيَّة لأبنائها، وهذه بلادنا التي حرصت على خدمة الدين وخدمة المواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء، وأفضال بلادنا معلومةٌ، لا تنكرها عينٌ مبصرةٌ، شهد لها العدوُّ والصديق، ولو أنكرها اللئيم المحيق، وأختم كلمتي هذه بالدعاء الخالص أنْ يحفظ الله بلادنا وولاة أمورنا وعلى رأسهم والدنا خادم الحرمين الشريفين ووليِّ عهده الأمين والنائب الثاني من كل شرٍّ وسوءٍ، وأنْ يجعلهم مسدَّدين في أقوالهم وأعمالهم، وأنْ يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأنْ يرفع بهم الإسلام وأهله، وأنْ يزيدهم قوةً إلى قوتهم وصلاحاً إلى صلاحهم، وأنْ يحفظ العلماء العاملين وشعب المملكة الأبيِّ الكريم ويزيدهم وحدةً وترابطاً ومحبَّةً وتماسكاً في ظلِّ الإسلام ورايته آمين. والحمد لله ربِّ العالمين.
- خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)
Mashri22@gmail.com